سلطان البازعي
سلطان البازعي
رئيس مجلس إدارة الجمعية السعودية للثقافة

رجال الطيب ومواسم البهجة

الثلاثاء ٢٧ أغسطس ٢٠١٩

حين حطت الطائرة في مطار أبها فعلت ما يفعله كل الركاب من حولي، فتحت هاتفي لتفقد الرسائل والمكالمات الفائتة. كانت الرسالة الأولى خبراً يقول بأن قوات التحالف تصدت لطائرة مسيرة أطلقتها ميليشيات الحوثي باتجاه خميس مشيط، أي على بعد كيلومترات قليلة من ساحة المطار التي ازدانت بلافتات الترحيب بالقادمين لزيارة "موسم السودة".. "مرحباً ألف" قالتها القلوب والعيون والحناجر، غير عابئة بالعبث الحوثي على الحد الجنوبي لهذه المنطقة الجميلة، فلم تتعطل الحياة ولم تعلن حالة الطوارئ، بل إن صفارة إنذار واحدة لم تطلق، الناس هنا كما في جميع مناطق المملكة تملك ثقة عالية بقدرات القوات المسلحة التي تحمي حدود النماء والرخاء والبهجة وتدافع عنها، بل إن لسكان المناطق الجنوبية جيزان وعسير ونجران علاقة وثيقة بالقوات المسلحة لالتحاق أعداد كبيرة من أبنائها في صفوفها. "موسم السودة" هو حلقة من سلسلة من المواسم التي شهدتها المناطق السعودية، بدءاً بالمنطقة الشرقية ثم جدة والطائف، وقريباً سيكون هناك مواسم في الدرعية والرياض وحائل، غير ما يجري التخطيط له من مواسم ستغطي بقية المناطق على مدار العام، والهدف هو تعظيم الاستفادة من الميزات النسبية الطبيعية والثقافية لكل منطقة لشق الطريق أمام صناعة جديدة يخطط لها أن تكون ذات إسهام عالٍ في الاقتصاد السعودي، ولا سبيل أمام تنمية صناعة السياحة إلا أن تأخذ الدولة زمام المبادرة ليس…

عندما يتحدث العود.. يصغي العالم

الثلاثاء ٠٩ يوليو ٢٠١٩

قبل خمس سنوات دخل علي في مكتبي في جمعية الثقافة والفنون بالرياض أربعة من الموسيقيين اليابانيين في زيارة نسقتها سفارتهم بالرياض، كان هذا الفريق المختص بالموسيقى اليابانية التقليدية يزور الرياض لتقديم عروض خاصة للجالية اليابانية في محيط السفارة، ولم يكن متاحاً أو سهلاً حينها أن يقدم هذا الفريق عروضاً عامة للجمهور السعودي، لكن السفارة وبمبادرة منها رأت مناسبة أن يتعرف الفريق على جانب من النشاط الموسيقي السعودي، وكانت الجمعية هي المؤسسة الوحيدة التي يمكن الذهاب إليها وتفتح أبوابها لموسيقيين أجانب. ما أن دخلوا، وقبل أن نتبادل التحيات التقليدية -عبر مترجم السفارة- حتى لمح أحدهم، وهو قائد الفريق، العود المنصوب بأناقة على حامله في مكتبي، فقفز إليه وتناوله وأخذ يعبث بأوتاره غير "المدوزنة" لطول الإهمال، لكنه نجح في استخراج أنغام استمع إليها بدهشة وشغف. وهذا العود بالذات وصلني بالإهداء من الصديق الفنان حسن خيرات الذي كان يستحثني على الوفاء بالتزامي لتعلم العزف عليه، وهو يعلم مدى شغفي بالاستماع إلى تقاسيمه، وهو ما لم يحدث للأسف حتى الآن. اهتمام ضيفي الياباني بالعود قادنا إلى الحديث عن الفروقات بين الآلات الموسيقية العربية واليابانية، فشرح بعضاً من الآلات الوترية والنقرية اليابانية التقليدية التي يعزفون عليها ومنها "الكوتو" و"الشاميسين"، ثم انتقلنا إلى اقتراح فكرة أن يلتقوا ببعض الموسيقيين السعوديين في ورشة عمل ليتعرف كل جانب…

شخصية “محسن الطيان” في الدوحة

الثلاثاء ٠٤ يونيو ٢٠١٩

في حوار مع مجموعة من الأصدقاء حول مسلسل "العاصوف"، كنت أقول أن صناع المسلسل بالغوا كثيراً في تصوير شخصية "محسن الطيان"، ذلك أن الخبث لا يجتمع مع الغباء. فهذه الشخصية السلبية تغار من نجاح الآخرين بينما تعاني من الفشل الشامل، وفي المسلسل يستمر محسن الطيان بترديد عبارته البلهاء بأنه "محامي وفاهم وخريج قانون من القاهرة" بينما يخرج من مشروع فاشل إلى آخر أكثر فشلاً، ومع ذلك فإنه يغدر بشقيقه الناجح ويخونه ويسرق منه، وحينما ينكشف أمره يظل يكابر ويطالب أخاه بالاعتذار منه ويمثل دور الضحية دائماً في كبرياء زائف يعالج به إخفاقاته. وكنت أقول أن مثل هذه الشخصية يصعب أن توجد في الواقع، فالشخصية الخبيثة تكون على درجة عالية من الذكاء في العادة، وتجيد الانحناء أمام العواصف و"تتمسكن حتى تتمكن". إلا أن مراقبة حالة القيادة السياسية في دولة قطر تثبت أن الواقع يمكن أن يكون أغرب من خيالات الدراما، وأن في قيادات الدول شخصيات يمكن أن تكون على درجة من التعقيد والانفصام بما يعجز عنه المحللون النفسانيون عدا عن المحللين السياسيين. انظروا فقط إلى دراما حضور دولة قطر لـ"قمم مكة" الثلاث وما تلا هذا الحضور. ربما لم يفاجئكم تراجع قطر عن بيانات القمتين العربية والخليجية، فالحقيقة أن المفاجأة لم تكن في التراجع وإنما كانت في الحضور بدءاً وبوفد "رفيع المستوى"…

ليلى سألتني: ما هي الجريدة؟

الثلاثاء ١٩ مارس ٢٠١٩

ليلى الجميلة طفلة ذكية تملك فضولاً معرفياً، وتلقت من والديها تربية تحرضها على طرح الأسئلة ولا تقمع شغفها الطفولي، ولأنني أحترم هذا الفضول وأسانده فقد أجبتها بأن الجريدة هي مجموعة من الأوراق يكتبون عليها معلومات وأخبارا وفيها صور كثيرة. تذكرت منظرها قبل أن تبدأ مرحلة التساؤلات، حين جلست أمامي تقلب في صفحات مجلة وتمد أصابعها الصغيرة محاولة تحريك الصور في المجلة، ولما لم تستجب هذه الصور الجامدة لأوامر أناملها ألقت بالمجلة جانباً وانصرفت لشأن آخر. أعطيت ليلى ما ظننت أنه الإجابة المناسبة لعمرها، وكدت أن أسترسل فأشرح لها تاريخ الطباعة حين تفتقت عبقرية حداد حرفي ألماني في القرن الـ15 فحفر حروف الأبجدية على ألواح متحركة من الخشب في البداية ثم من الحديد، فنجح في اختراع المطبعة الأولى التي نعرفها اليوم، وأثبت قدراته بأن طبع أول نسخة غير مخطوطة من الإنجيل. وكان هذا الفتح سبباً في تطور العلوم والآداب بكل لغات العالم، فقد انتقلت العلوم من الخاصة القادرين على اقتناء الكتب المخطوطة إلى العامة. كما أن اختراع المطبعة كان سبباً في ظهور الصحافة والإعلام الجماهيري، منذ أن صدرت أول صحيفة أسبوعية مطبوعة في مدينة أنتويرب البلجيكية عام 1605، وبعدها كرت حبات السبحة حين قام التحالف بين الناشرين (الصحافيين) والممولين (رجال الأعمال أو السياسيين)، عبر الإعلان أو التمويل المباشر بما سمح بتغطية…

بيان علاقات عامة لبرامج التحول الوطني

الثلاثاء ٢٩ يناير ٢٠١٩

أعتقد جازماً أن وزير الإسكان ماجد الحقيل والفريق العامل معه في الوزارة مدينون للكثيرين من الكتّاب والمغردين والمشاركين في مجموعات الواتساب بكلمة تقدير إن لم تكن اعتذاراً، خصوصاً بعد أن أعلنت الهيئة العامة للإحصاء أرقامها في نشرة المساكن بحسب نتائج مسح ميداني أجرته «الهيئة» حتى منتصف عام 2018، والنشرة متاحة لمن أراد الاطلاع عليها في موقع «الهيئة» وقد أعلنت في وسائل الإعلام كافة. والعنوان الأبرز في هذه النشرة يقول إنه مع ارتفاع عدد الأسر السعودية بنسبة 2.46 في المئة مقارنة بمنتصف عام 2017، فإن نسبة المساكن المملوكة والمشغولة بأسر سعودية قد ارتفع، كما انخفضت بالتالي نسبة المساكن المستأجرة والمشغولة بأسر سعودية، لكن الرقم الأهم الذي حصلت عليه ولم يرد في النشرة يقول بأن وزارة الإسكان أنجزت أكثر من 60 في المئة مما التزمت به في برنامج التحول الوطني الذي أعلن عنه في حزيران (يونيو) 2016، ولا تزال أمامها بقية هذا العام وحتى نهاية 2020 لاستكمال النسبة المتبقية من برنامجها، والذي يهدف إلى رفع نسبة التملك إلى 60 في المئة للأسر السعودية. ومن الواضح أن التعامل مع أداء الوزارات الخدمية والحكم عليها لا يزال في نطاق العاطفة الشعبية، من دون النظر في حقيقة أن هذه الوزارات تعمل في إطار خطة اسمها رؤية المملكة 2030، وأن وثيقة الرؤية تفرع منها برنامج التحول…

«جينا من الطائف والطائف رخا»

الثلاثاء ٢٢ يناير ٢٠١٩

جاءت الأخبار من الطائف بمبادرة قامت بها جامعتها الفتية بفتح برنامج لتعليم الموسيقى، وبالطبع فإن الكثيرين سمعوا بالخبر من الضجة التي أثيرت حوله في وسائل التواصل الاجتماعي، ولولا هذه الضجة لربما لم يسمع بالبرنامج سوى الـ850 طالباً وطالبة الذين سجلوا في البرنامج وعدد آخر في الحرم الجامعي من المهتمين، على المستوى الشخصي لم أفاجأ برد الفعل السلبي الذي صدر من البعض، لأنني واجهتها في الفترة التي عملت فيها في جمعية الثقافة والفنون باستقبال عدد من المحتسبين في كل مرة تعلن فيها الجمعية عن برنامج يتعلق بالموسيقى أو السينما، هذا عدا عن عشرات الرسائل الاحتسابية المبرمجة التي تملأ صندوق الرسائل في هاتفي النقال، وبعض هذه الرسائل كان يتجاوز أدب النصح والرفق فيه أو الحوار العقلاني إلى الشتائم والدعاء. اليوم، وقد خفت صوت الاحتساب غير المنضبط بعد أن أعلنت الدولة موقفها صراحة من هذا الجدل الدائر حول الثقافة والفنون، ووضعتها في صلب رؤية المملكة 2030 كأحد عناصر جودة الحياة، كنا ننتظر أن تبادر المؤسسات الأكاديمية العريقة إلى إعادة النظر في حجب الفنون عن الحياة الجامعية، بعد أن كانت حاضرة وبقوة قبل السيطرة الصحوية على المؤسسات التعليمية، ففي جيلي كانت جامعة الملك سعود وجامعة الملك عبدالعزيز وغيرهما تحتضن أهم النشاطات المسرحية والأدائية في البلاد، ولم يمنع وجود هذه النشاطات الفنية من أن يتخرج…

حزين من أجل الشانزليزيه..

الثلاثاء ١١ ديسمبر ٢٠١٨

زرت بيروت مباشرة بعدما وضعت الحرب الأهلية اللبنانية أوزارها إثر اتفاق الطائف، وحرصت على أن يكون شارع الحمراء هو محطتي الأولى في العاصمة الجميلة، وهناك أصابني حزن عميق وانقباض لما شاهدته من دمار أسقط الذكرى الجميلة التي احتفظت بها لهذا الشارع الذي كان يمثل صورة فريدة للتعددية العولمية، فهناك كان يكفي أن تتناول فنجان قهوتك على الرصيف وتتأمل العالم بأجناسه ومعتقداته كافة يمر من أمامك، ويكفي أن تجلس في مقهى الهورس شو (حذوة الحصان) لتستمع إلى نقاشات يديرها أهم مثقفي العالم العربي وهم يجاورونك في الطاولة، وعلى الرصيف المقابل تنطرح على بسطات أرضية كتب من جميع الأفكار والتوجهات لتنتقي منها ما تشاء، سواء أكنت تريد كتاب التوحيد للإمام المجدد محمد بن عبدالوهاب رحمه الله، أم كتاب رأس المال لكارل ماركس. الدمار الذي لحق بشارع الحمراء في بيروت لم يكن من السهل إصلاحه حتى بعد أكثر من ثلاثة عقود من توقف الحرب، فهو دمار أشمل من المباني والمقاهي والمسارح وقاعات السينما، فقد التهم روح التسامح والتعددية وهي المتضرر الأكبر، وهذه لا يسهل نفخ الروح فيها من جديد بالتأكيد. الشاهد في الحديث عن شارع الحمراء البيروتي هو مشاهدة ما يلحق الآن بالنموذج الأصلي في التسامح والديموقراطية والحوار، وهو شارع الشانزليزيه الباريسي الأشهر، وهو شارع آخر تعلّقت به كثيراً للأسباب التعددية نفسها «العولمية»،…

«أرنب تبغى الفريسة… والفريسة في ظهرها»

الثلاثاء ٢٣ أكتوبر ٢٠١٨

بعد نشر مقالتي الأسبوع الماضي هنا في صحيفة «الحياة» يوم 16 تشرين الأول (أكتوبر) حول محاولة اغتيال الشخصية السعودية، تحداني مغرد في تويتر بقوله: «لو ثبت تورط السعودية... ماذا ستكتب هل ستنتقد فعلتها؟»، ولأني ألزمت نفسي ألا أدخل في جدل مع الذين يختفون وراء الأسماء المستعارة، فإني لم أعلق على تغريدته حينذام، أما الآن وقد صدر بيان النائب العام عن نتائج التحقيق الأولية في حادثة مقتل الزميل الراحل جمال خاشقجي – رحمه الله - فإن الإجابة عن تساؤله تصبح واجبة، خصوصاً أن السؤال طرح عليّ من آخرين غيره، ومنهم بعض الأصدقاء والأقارب. والسؤال المشروع الآن هو: هل تورطت «السعودية» فعلاً في مقتل جمال خاشقجي؟ والإشارة هنا تعود إلى السعودية الدولة وقياداتها. ولمحاولة الإجابة عن هذا السؤال، وبحسب ما لدينا من معطيات، يتضح أن النائب العام كان دقيقاً وموجزاً في بيانه، فلم يذكر أي تفاصيل حول الـ18 شخصاً الذين تم إيقافهم، لا أسماءهم ولا الجهات التي يتبعون لها، طالما أن التحقيقات مع الموقوفين لم تكتمل، لكن تصريح المصدر المسؤول الذي أعقب هذا البيان، والأوامر الملكية التي صدرت بإعفاء اثنين من كبار المسؤولين بينهم مستشار في الديوان الملكي ونائب رئيس الاستخبارات العامة، ثم إنهاء خدمة ثلاثة من كبار الضباط في رئاسة الاستخبارات العامة، وانتهاءً بتشكيل لجنة وزارية عليا برئاسة سمو ولي العهد…

اغتيال جمال خاشقجي أم اغتيال الشخصية السعودية؟

الأربعاء ١٧ أكتوبر ٢٠١٨

رئيس وزراء قطر السابق والعمود الثاني في التنظيم الحاكم الشيخ حمد بن جاسم بن جبر خانه الذكاء مرة أخرى، فقد خرج عن الصمت القطري الرسمي تجاه قضية اختفاء الصحافي السعودي جمال خاشقجي إلى تويتر في محاولة لقطف ثمار المؤامرة، مقدماً نصائحه إلى السعودية لكي تعيد النظر في تعاطيها في الشأن الداخلي والخارجي «بأسلوب تسوده الحكمة والمسؤولية» على حد قوله، كما لم ينس الإشارة إلى أنه يشفق على المملكة من أن تتعرض للابتزاز، وكانت هذه هي العبارة الوحيدة التي لمح فيها لما يدور حول قضية خاشقجي في تغريداته التي نشرها السبت الماضي. الحكومة القطرية لم تكن بالطبع في حاجة لأن تعلن عن موقف في هذا الموضوع، فوسائل إعلامها والوسائل المحسوبة عليها والمرتزقة الذين يعيشون على ظهرها أشبعوا الدنيا ضجيجاً ونواحاً وتباكياً على مصير الصحافي السعودي، كما أنهم ملأوا الأرض كذباً وروايات تشبع نهم أي متابع لروايات الجاسوسية الرخيصة، لكن التساؤل الذي كان يحوم حول من قد يكون المستفيد من إثارة هذه القضية، وكنا نعرفه تماماً، تطوع الشيخ حمد بتقديم أجابته، ولو كنت مكان المحققين في قضية اختفاء جمال خاشقجي لاعتبرت هذه التغريدات قرينةً تشير إلى الفاعل باعتباره المستفيد الأول، من ملء وسائل الإعلام العالمية بالأكاذيب وتجييش الرأي العام العالمي، ثم إجبار أصحاب القرار السياسي والاقتصادي على التماهي مع هذا الضجيج واتخاذ…

بقلم عريض… ألغى اتفاقاً سيّء السمعة والمضمون

الثلاثاء ١٥ مايو ٢٠١٨

تقول «خبيرة» الخطوط البريطانية تراسي راسل: «إن توقيع الرئيس الأميركي دونالد ترامب يفصح عن شخصية طموحة، ديناميكية، وشجاعة»، ثم تضيف: «لديه جوع للسلطة، ويملك الإصرار كما أنه مقامر عنيد... هو ربما لا يستمع جيداً للآخرين، لكنه مفاوض قوي، وينجح في اتخاذ مواقف متصلبة ومباشرة». لست ممن يؤمنون كثيراً بتفسير الخطوط اليدوية ودلالاتها على نفسية كاتبيها، لكن المختصين بهذا المجال لهم شعبية واضحة لدى الكثيرين، ولعل بعض تفسيراتهم تصيب الحقيقة، خصوصاً حينما يتعلق الأمر بشخصية عامة ومؤثرة مثل رئيس الولايات المتحدة الذي يحتل توقيعه غالباً نصف صفحة كاملة، ويحرص على أن يوقع بقلم أسود عريض ثم يعرض توقيعه بفخر على عدسات المصورين وهو يزم شفتيه دليل الإصرار. هذا ما حدث الأسبوع الماضي في المكتب البيضوي حينما وقّع ترامب وثيقة الانسحاب الأميركي من اتفاق الحد من القدرات النووية الإيرانية التي وقعتها الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي إضافة إلى ألمانيا مع إيران عام 2015، ويتلخص الاتفاق في تحجيم قدرات إيران على تخصيب اليورانيوم لمدة 15 عاماً مقابل رفع الحظر الاقتصادي المفروض عليها. الآراء حول شخصية ترامب متعددة، وبغض النظر عن التحليل النفسي لخطه اليدوي، ولكن هذه الآراء تلتقي في منطقة بين الرئيس غير التقليدي والرئيس الجامح صاحب الهوس الشخصي والحالة النفسية المعقدة ذات التراكمات المخبوءة، لكن هذا لا يعنينا بتاتاً، فكل…

«قمة الظهران»: عدوّان للأمة العربية

الثلاثاء ١٧ أبريل ٢٠١٨

استبق مستشار المرشد الإيراني الأعلى للشؤون الدولية وزير الخارجية السابق علي أكبر ولايتي أعمال القمة العربية التاسعة والعشرين بإطلاق تصريح يقول فيه إن هذه القمم «تــــعقد بضغط من الحكومة السعودية وإنها فاقدة للصدقية السياسية والدولية». والحقيقة أنه يجب أن نعطي للسياسي الإيراني شيئاً من التقدير لأنه كان أول من تنبأ بنجاح القمة التي عقدت على الساحل الغربي للخليج العربي في مواجهة السواحل الشرقية من هذا الخليج التي تعرف تاريخياً بالأحواز العربية وتحتلها الدولة الصفوية منذ العام 1925. ولايتي عرف مسبقاً أن أصابع نظام الآيات في «قُم» لم تعد قادرة على تخريب اجتماعات الجامعة العربية كما كانت تفعل إلى وقت قريب، ولذا فإنه استبق البيان الختامي بمهاجمة القمة، وعمد إلى إلغاء إرادة القادة العرب، حتى أولئك الذين كان يعتمد عليهم، بالزعم بأن النتائج – مهما كانت - فهي ستكون نتيجة إملاءات سعودية، وبالطبع فإنه من غير المفهوم قوله إن هذه القمم فاقدة للصدقية السياسية والدولية، بينما يحضرها ممثلون رفيعو المستوى لكل المنظمات والتجمعات الدولية الأكثر أهمية بدءاً من الأمم المتحدة وانتهاء بمنظمة التعاون الإسلامي ومروراً بالاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي، الذين ألقوا كلمات أكدت تفهمهم للقضايا العربية وحرصهم على العمل مع المجموعة العربية في مواجهة الشذوذ الدولي المتمثل بالإرهاب وداعميه وفي مقدمهم نظام طهران، إضافة إلى رسالتين للقمة من الرئيس الروسي بوتين…

ولن ترضى عنك «عربان الشمال» حتى…

الأربعاء ٣١ يناير ٢٠١٨

هل سمعتم بمصطلح «السلطوية الليبيرالية»؟ لست خبيراً في المصطلحات السياسية، لكن هذا المصطلح جديد تماماً عليّ، وغريب في الوقت نفسه، بسبب من التناقض الصارخ الذي يتضمنه، فالليبيرالية هي النقيض الكامل للسلطوية. ومع ذلك فإن هذا المصطلح ورد في مقالةٍ لكاتبة تونسية وُصفت بأنها خبيرة في الشرق الأوسط، اسمها سمية الغنوشي، وجاءت المقالة بعنوان: «ليبيراليون خليجيون دون ليبيرالية»، ولا أعرف أين نشرت المقالة أولاً، لكن مواقع عربية احتفت بالمقالة وأعادت نشرها، ومنها موقع «عربي 21» المحسوب على قطر الشقيقة. المقالة برمتها تتمحور حول فكرة واحدة جاءت في الأسطر الثلاثة الأولى منها، وهي أن دول الخليج، وخصوصاً المملكة العربية السعودية، تبنت نوعاً من «الليبيرالية الجديدة على صعيد الثقافة والاقتصاد، ولكن من دون ليبيرالية على مستوى السياسة وشؤون الحكم، بل إن هذه الليبيرالية الثقافية والاقتصادية يتم اللجوء إليها هرباً من الاستحقاق السياسي، وإضفاء جرعة من الليبيرالية السياسية»، كما ورد في النص. مقالة سمية الغنوشي وصلت إليّ من صديق، ومن هذه المقالة بدأت التعرّف على شخصيتها، وهي كما يبدو من صورها على موقعها الشخصي سيدة شابة محجبة، فهي ابنة رئيس حركة النهضة الإسلامية (الإخوانية) راشد الغنوشي، لكنها مؤمنة بالليبيرالية، كما تقول مقالتها، واعتراضها الوحيد هو أن التغييرات التي حدثت في السعودية جاءت فجائية وعشوائية وغير متوازنة، كما تقول، كما أنها ترى أن الليبيرالية يجب…