سلطان فيصل الرميثي
سلطان فيصل الرميثي
كاتب إماراتي

لماذا ندفع فاتورة توبتهم؟

الأربعاء ٢٥ يناير ٢٠١٧

أول تغريدة للرئيس الأميركي السابق، بعد نهاية فترة حكمه كتب فيها للأميركيين: قراءة الرسائل التي تردني يومياً منكم إبان فترة حكمي هي أحب الأشياء إلى قلبي، حوت التغريدة رابطاً لمجلة «نيويورك تايمز» تصف طبيعة تلك الرسائل الواردة، جلّ الرسائل لم تكن طلبات بقدر ما هي مشاهدات يومية، واعترافات أقرب ما تكون إلى طقس الإقرار بالذنب مع قسٍ في غرفة كنسية مغلقة. طبيعي أن يعيش الإنسان في صحبة الخطيئة، وأن يقترف الذنب تلو الآخر، يعيده ويكرره، أو يأتي بذنب أكبر منه، منا من يتغلب على نفسه فيهذبها ويصلحها، ومنا من يتكيف مع الخطيئة فيضع لها المبررات، إما ليتخلص من ضغطها النفسي عليه، أو ليجد له مساحة قبول عند الآخرين، خصوصاً أن السمة الغالبة في خطاب المجتمع تدور في فلك الفضائل والطهارة والعصمة من الخطأ والزلل، وأجد من الطريف المستحسن أن يشكو الإنسان خطيئته لشخص مقرب من باب الفضفضة لا أكثر. تجنب الخطأ ومعالجته والتوبة منه كلها أمور شخصية محورها الإنسان نفسه، وأكثر الناس مدعاة للسخرية هم المذنبون الذين ينوون التوبة آجلاً، وأذكر هنا أحد مشاهير الغناء لما سئل عن أمنيته، قال: «أريد الاعتزال والتوبة والتحول إلى داعية»، ولنا مشكلتان مع مثل هؤلاء: الأولى أنهم يصرّحون بنياتهم علانية، ليكسبوا جمهوراً إضافياً سيصف المشهور لاحقاً بعبارة «فيه بذرة خير»، ولو كانوا صادقين لما…

اختر الإجابة الصحيحة

الأربعاء ٠٤ يناير ٢٠١٧

بشّرت الثورة البلشفية بالانتصار للطبقات المقموعة من العمال، ووعدت بالمساواة بين فئات الشعب، والقضاء على الفساد، تخلصت البلشفية من النظام القديم، فأعدمت القيصر وحاشيته، وأعقبتها حرب أهلية دامت أربع سنين، تلاها إنشاء الاتحاد السوفييتي، وفي التسعينات ثبت فشل النظام الاشتراكي الذي جاءت به الثورة البلشفية فشلاً قبيحاً، وأصبحت البلشفية اليوم رمزاً للحماقة، أي أن الشعب الروسي دفع دمه وماله أكثر من 70 سنة، ثم اكتشف فشل الثورة. قصة الثورة تتجدد في ذكرى «الربيع العربي»، قرأت عبارات تمتدح الثوار، آخرون يشبهونها بالثورة الفرنسية، ويبشرون بفجر جديد، ويتنبأون بنهضة تأتي بعد الخراب. ليس غريباً اندفاع البسطاء خلف أكذوبة الثورة، فهم يتعاطفون مع مطالب الشعوب بإحلال العدالة، ومن ثم استدراج البسطاء نحو خيارات سيئة تضعهم في موقف صعب، إما العدالة أو الفوضى. منح الخيارات المتعددة يشعر البسطاء بالاستقلالية، لتعدد البدائل، ولو وضعت لهم كلمة «فوضى» ثلاث مرات سيختارون إحداها، ثم سيدافعون عنها بشراسة، والحقيقة أنهم لا يدافعون عن الفوضى بقدر دفاعهم عن حريتهم في الإجابة. البسطاء يرفضون منطق «أن لا خيارات متوافرة»، ويقبلون أن يضع الآخرون أمامهم البدائل غير المنطقية، ثم يرتدون لباس الحكمة ليختاروا الإجابة الأقل سوءاً، وإن عنت الموت والشتات، لذا كان البسطاء يصدقون ما قيل عن الملائكة التي تقاتل في الشام، ويتداولون خبر دخول جبريل، عليه السلام، مسجد رابعة العدوية.…

اتحاد الكرة والشنب

الأربعاء ٢١ ديسمبر ٢٠١٦

رغم أن سرطان البروستاتا أقل شيوعاً مقارنة بأنواع كثيرة من السرطانات الأخرى، إلا أن التداعيات النفسية لهذا المرض لا تتطلب قدراً كبيراً من الخيال لفهم آثارها النفسية العميقة لدى الرجال، وبفرضية نجاة الرجل من شر هذا المرض، إلا أن الإحباط الجنسي، والشعور بعدم القدرة على تحقيق متطلبات الزواج، يتحولان إلى كارثة في معظم الزيجات. هذه المشاعر مألوفة لكثير من النساء المصابات بسرطان الثدي، للشعور القاسي للغاية الذي يخلّفه المرض، الأمر الذي تنشط لأجله الجمعيات المتخصصة في سرطان الثدي، وحملات التوعية الصحية، لمساعدة النسوة على تخطي الجانب النفساني الحساس للغاية. الملاحظ هنا أن الحملات الوردية المتعلقة بسرطان الثدي تنشط بشكل كبير في دولة الإمارات خلال شهر أكتوبر، ولا أحد يلتفت إلى الرجل في شهر نوفمبر، وهو الموعد الذي تبدأ فيه عالمياً الحملات التوعوية المسماة «موفمبر»، نسبة إلى كلمة مركبة من شهر نوفمبر وكلمة «شنب» بالإنجليزية، ونتيجة لضعف حملات التوعية للرجال، تشتكي الجهات المعنية في الدولة المقاومة العنيفة التي يبديها الرجال في إجراء الفحوص المبكرة للكشف عن سرطان البوستاتا، أما الأدهى فهو أن شريحة كبيرة من الرجال المصابين بالمرض يرفضون العلاج. في الواقع، هناك القليل من التركيز على قضايا صحة الرجل في مجتمع اليوم، وليس ذلك مقصوراً على مجتمعاتنا فقط، فالدراسات توضح أن الرجال عالمياً هم أقل رغبة في زيارة الطبيب أو…

الطرابيش والقودريدز

الأربعاء ١٦ نوفمبر ٢٠١٦

يعد تطبيق «القودريدز» المنصة الأولى في العالم لما يعرف بـ«القراءة الاجتماعية»، ويعمل تماماً مثلما تعمل مواقع الحجوزات السياحية التي تنقل آراء الأشخاص العاديين وتوصياتهم حول الفنادق والمطاعم التي زاروها أخيراً، بعبارة أخرى هو البرنامج الذي جعل من القراءة عملاً اجتماعياً بعد أن كانت نشاط فردياً حبيس الجدران، وبذلك تغير مفهوم القراءة لتتجه نحو التفاعل الاجتماعي في البيئات الرقمية، الإحصاءات تشير إلى أن عدد مشاهدات «القودريدز» تخطى المليار مشاهدة سنوياً، وتحتل أميركا المركز الأول في عدد المستخدمين، اللافت هنا أن الفلبين تفوق جميع الدول العربية في معدلات الاستخدام بأربعة أضعاف. الأرقام هذه تعكس حال القارئ العربي الذي يعيش تحت هيمنة ما يسمى بـ«المثقف» القادم من ثلاثينات القرن المنصرم، معتمراً الطربوش ومحاولاً فرض الوصاية على ذائقة القراء، أضف لذلك العبارة التي بت أسمعها كثيراً في ندوات عام القراءة، وملخصها أن القراءة وسيلة، وأن الكتابة عمل نخبوي، والصحيح أن القراءة غاية في حد ذاتها، أما نخبوية الكتابة فماتت منذ أن حل الإنترنت ليفتح المجال أمام المدونات، ثم آل الوضع إلى مسألة عرض وطلب، كلا الأمرين جعلا القارئ العربي يحجم عن كتابة مراجعاته حتى لا يتهم بأنه أرتدى طربوشاً أكبر من رأسه. يضاف إلى ذلك أن القارئ العربي لم يستوعب أهمية كتابة المراجعة الفنية لقراءاته، ومصدر أهميتها في كونها تعكس شغف القارئ بالكتاب وتظهر…

أنجلينا جولي في صالون الحنّاء

الأربعاء ٢٨ سبتمبر ٢٠١٦

كوريا الشمالية أجرت أكبر تجاربها النووية على الإطلاق، هذا الخبر لم يُلاقِ الاهتمام العالمي نفسه مقارنة بخبر طلاق أشهر ثنائي في هوليوود، أنجلينا جولي وبراد بيت، الواقعة تناقلتها المواقع الإخبارية وتداولتها الصحف العالمية، وكان حديث الساعة في أحد صالونات الحناء المكتظة بالسيدات والآنسات، ظهر يوم الجمعة، السيدة التي جاءت تتحنى لعرس «حميتها» هي من «فتحت السالفة»: أنجلينا تطلقت! كنت أعتقد أنهما أسعد زوجين في العالم. علقت سيدة: كما خان براد بيت زوجته السابقة جنيفر أنيستون مع أنجلينا، شربت أنجلينا من الكأس نفسها وخانها مع غيرها. أضافت إحدى الحاضرات أن أنجلينا من لوس أنجلوس، وأباها ممثل قدير فاز بالأوسكار، بينما براد بيت من أوكلاهوما وأبوه سائق حافلة، لا أريد الخوض في الأصول، ولكن الأرجح أن المسألة هي عدم تكافؤ النسب، علقت أخرى أن كل وسائل الإعلام تقول إن براد بيت مدمن كحول، قد يكون هذا سبب الانفصال، ضحكت العاملة بالصالون؛ وقالت: كل من تتطلق تقول عن طليقها إنه «خمير زمير»، هذه أسطوانة مشروخة، وعلى فكرة علاقة الاثنين استمرت ثماني سنوات من دون زواج، وحملت خلالها أنجلينا من براد، وبعدها بفترة قرر الاثنان الزواج، ما بُني على باطل فهو باطل... الجميع يردّد «عافانا الله» مع دخول (أم أحمد) الصالون سخن النقاش، كان لها رأي مخالف تماماً يناصر براد بيت، فأنجلينا جولي نغّصت…

لماذا لم يأخذوني معهم لحفل الأوبرا؟

الأربعاء ٠٧ سبتمبر ٢٠١٦

ضاعت سدى جهود سنوات طوال حاولت فيها التقرب إلى النخبة المثقفة في الإمارات، جربت معهم كل وسائل التزلف وعبارات التملق التي حكاها كتاب «كيف تكسب الأصدقاء»، لم تخطب ودهم المقالات التي كتبتها، ولا الروايات التي نشرتها، حرموني شرف صحبتهم في فعاليات عام القراءة، وغاب اسمي عن ملتقياتهم وندواتهم. بالأمس القريب، دُشن في دبي أهم حدث ثقافي تشهده المنطقة، وكالمعتاد؛ لم أكن بمعية النخبة المثقفة، بحسرة تابعت حضورهم حفل الأوبرا عبر حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، حينها تأكدت بأن تجاهلهم متعمد، لم يخفف عني مرارة هذا الجفاء إلا عبارة أبي الشهيرة «خلك أنت الكبير»، لذا سامحتهم وأخذت أختلق لهم الأعذار. قد تكون النخبة المثقفة على اطلاع على آرائي السابقة - قبل ثلاثة عقود - حول الموسيقى، حينما كنت أتلف أشرطة الأغاني باعتبارها مزامير الشيطان، مَن سرّب تلك القصص لم يخبرهم بأنني الآن أرى الموسيقى لغة الكون. لا أنكر أن «جوي الطربي» أو ذائقتي الموسيقية - كما يسميها المثقفون - تجنح للفن الشعبي، ولعلهم اعتقدوا أن تعصبي للقصائد المحلية المغناة بمعانيها العميقة وتعابيرها القوية سيحول بيني وبين تقبلي للموسيقى العالمية. للأسف لم يصحبوني معهم، علهم خمّنوا عجزي عن شراء تذكرة الدخول التي تصل إلى الـ1000 درهم، بسبب ضغط مصروفات المدارس الخاصة، والعجز المالي الذي خلّفته رحلة السفر الصيفية، أو لعل المثقفين رأوا…

الدال.. عـدس وأشياء أخرى

الأربعاء ٣١ أغسطس ٢٠١٦

تغير علينا صاحبنا، منذ أن نال درجة الدكتوراه، صار ثقيلاً في مشيته، يتصنع الاتزان في حديثه، ويتشدق في عباراته بمصطلحات يصعب فهمها، ينسب كل شيء إلى العولمة، حتى مطاعم الوجبات السريعة لم تسلم من هذه التهمة، لم أصدق خبراً تداولته الصحف حول حصوله على الدكتوراه، خصوصاً أن الخبر لم ينشر صباح الأول من أبريل، كتب في حسابه على «تويتر»: «بتوفيق من الله نلت الدكتوراه في القانون العام، عن بحث يتعلق بتحكيم المعاملات التجارية»، كنت على وشك التعليق بأن المعاملات التجارية هي أحد فروع القانون الخاص لا العام، لكنني لم أفعل، لم يكتفِ دكتور الغفلة بهذا القدر بل أكمل مغرداً يحكي قصة نجاحه، فنشر صور المناقشة، اتضح لنا لاحقاً أن الجامعة التي تخرج فيها تقع وسط غابات الأمازون، لا أعرف مكانها بالضبط، لكنها في الأغلب تقع جنوب مدار الجدي، المشرف على البحث هو البرفيسور بابلو إسكوبار، والإعجاز العلمي هنا أن الأطروحة كُتبت باللغة العربية، رغم أن بابلو لا يتحدث إلا الإسبانية، لجنة المناقشة ضمت الأرجنتيني د.خافيير سافيولا، والباحثة د.آشوريا راي من الهند، بعد المناقشة شكر صاحبنا اللجنة، التي منحته شهادة الدكتوراه بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف، وأهدى أعضاءها هواتف «آي فون 5 بلس» مع باقة اتصالات المميزة للبيانات. أكثر الكلمات دفئاً، كانت في الإهداء الذي كتبه صاحبنا على الصفحة الأولى من…

هل أنت متزوج؟

الأربعاء ١٧ أغسطس ٢٠١٦

تخيل نفسك جالساً في مكان عام، ثم يأتي شخص ليسألك عن حالتك الاجتماعية، ومذهبك، والأفكار التي تؤمن بها، هذا بالضبط ما يحصل مع السيد «فيس بوك»، الذي يتجرأ بكل برود ليطرح السؤال المحرج: هل أنت متزوج؟ ما يُروج له السيد «فيس بوك» هو أن الهدف من مواقع التواصل الاجتماعي هو التعارف، وبناء شبكة علاقات بين البشر في العالم الافتراضي، آخرون يصفون ذلك الهدف بالكذبة الكبرى، فالسيد «فيس بوك» ـ مثلاً - يستغل بياناتك الشخصية ليوجه إليك الإعلان، ويستهدفك في حملاته التسويقية، فلو كنت طالباً في المرحلة الثانوية ستجد إعلانات الجامعات تظهر بكثافة في صفحتك. لا شيء يبرر نشر معلوماتنا الشخصية على رؤوس الخلائق، كان من الممكن أن نزود السيد «فيس بوك» بالحالة الاجتماعية سراً عن طيب خاطر في صفحة الإعدادات، والتحجج بأن السيد «فيس بوك» يتيح لك خيار حجب حالتك الاجتماعية حتى لا تظهر للجميع هو أمر لا يقل سوءاً عن النشر، فلولا أن في الموضوع «إنَّ» ما أخفى حالته الاجتماعية. تتدرج الحالة الاجتماعية عند السيد «فيس بوك» إلى مجموعة خيارات، هي: أعزب، ومتزوج، ومطلق، والخيار الأخير هو «المسألة معقّدة»، وبالإنجليزية It’s Complicated. قد يكون هذا الخيار هو الأنسب للشاب العربي، الذي نشأ منذ طفولته يسمع أباه يكرر: متى تكبر ونفرح بأولادك؟ لا أدري بالتحديد لماذا لم يقل والده نفرح…

موعد المواجهة

الأربعاء ٢٧ يوليو ٢٠١٦

خبر يقول إن عناصر من «داعش» قاموا بخياطة أفواه مجموعة من الشباب بواسطة الأسلاك المعدنية في الموصل، وأخبار أخرى تتوالى حول حوادث نفر فيها الإرهابي في ربوع أوروبا بمسدس أو بسكين أو بحزام ناسف. ردود أفعالنا لا تتعدى الشجب والإنكار والتبرؤ من الفكر التكفيري، وحيث تبقى الحلول معلقة لا أحد يجرؤ على مواجهة التيارات الإسلامية الحركية؛ نظراً لما تتمتع به هذه التيارات من جماهيرية كبيرة استطاعت من خلالها تجاوز غرمائها المنادين بالدولة الوطنية. في عام 2012 نشر مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية كتاباً بعنوان «الدولة الوطنية والإسلام»، جاء فيه أن انتشار النزعة الإسلامية وتسييـس الإسلام أصبحا يمثلان تحديـاً للدولة الوطنية العربية، ولابد للأنظمة العربية من مواجهته، ويبدو أن الدول الوطنية في العالم العربي تبنت وسيلتين مختلفتين لمواجهته؛ إما فصل الدين عن الدولة، أو السماح لجماعات الإسلام السياسي بممارسة العمل السياسي العلني من أجل احتوائها واتقاء شرها. عقود طويلة والتيارات الإسلامية تتقدم الصفوف باعتبار ما تتبناه من أفكار يعود بالفرد المسلم إلى جذوره العقدية، واعدة إياه بتصحيح أوضاعه الدنيوية المزرية حال انقياده لتعاليمها، وسر تفرّدها أنها تمنيه بصلاح دنياه وآخرته، ورهان نجاحها أنها تنهل من النبع الأول للدين، وحيث لا إنجازات على الأرض انحصر ما قدمته التيارات الإسلامية في صورة ما عرف بالصحوة الإسلامية، التي لم تتجاوز آثارها المادية سوى مظاهر…

السنة الثانية لـ«حكماء المسلمين»

الأربعاء ٢٩ يونيو ٢٠١٦

نشرت جامعة جورج واشنطن تقريراً يرتب دول العالم وفق التزامها بالشريعة الإسلامية، تصدرت فيه الدول الاسكندنافية المراكز الأولى في تطبيق الشريعة، رغم كونها دولاً علمانية ليبرالية، وصاحب صدور التقرير صدى إعلامي كبير، فعنونت الـ«CNN» له: «دول غربية تطبق تعاليم القرآن أكثر من الإسلامية». تقوم الدراسة على فهم مقاصد الشريعة الإسلامية، التي لخصها الحبيب المصطفى، صلى الله عليه وسلم، في حجة الوداع: «أيها الناس إن دماءكم وأعراضكم حرام عليكم...»، وتدور حول حفظ النفس من الأذى، وحفظ النسل برعاية الأسرة والأبناء، وحفظ المال بتحريم السرقة والغش، وعليه؛ تصنف الدول بناءً على نتائجها في مؤشرات السلامة، ومعدلات الجريمة، ومقاييس الاستقرار الأسري. فككت الدراسة الارتباط الذهني بين صورة الدولة الإسلامية وتطبيق الحدود، حيث يخيل إلى الكثيرين أن الإسلام لا تتم مقاصده إلا بحد السيف، ومن هذا المنطلق، نشط «الدواعش» ببث الفيديوهات الهوليوودية لمشاهد قطع الأيدي والرجم والنحر، تأكيداً لأصالة هويتهم الدينية، والمفارقة أن دولة لا تطبق الحدود، مثل آيسلندا، يبلغ معدل جرائم القتل فيها 0.3 جريمة لكل 100 ألف نسمة، بينما دول إسلامية أخرى لديها جرائم بمعدلات أكبر، فما السبب؟! تدلل الدراسة على أن الفكر الإنساني المستنير تطور ليصل إلى أمرين مهمين: أولهما التوافق مع إعلان حجة الوداع لحقوق الإنسان قبل 14 قرناً، وثانيهما أن بلوغ المقاصد يكون بأنظمة اجتماعية وسياسات حكومية متكاملة، بغض…

الفتاوى الفضائية

الأربعاء ١٥ يونيو ٢٠١٦

تابعت - قبل أيام - برنامجاً دينياً بثته قناة فضائية، تكررت الأسئلة المعتادة، مثل حكم استخدام معجون الأسنان وقت الصيام، وأكلت قبل الغروب أو بعد الأذان.. الأسئلة والأجوبة نفسها، نجدها في الإذاعات والصحف ومواقع الفُتيا على الإنترنت، وكم تمنيت أن يتطوع أحد الباحثين النفسانيين، ويجمع تلكم الأسئلة، ثم يبدأ في دراسة وتحليل المسائل العالقة باستمرار بذهن الفرد المسلم، وفهم طبيعة الأمور التي تؤرقه، وتشغل حيز تفكيره. المعضلة الحقيقية تكمن، اليوم، في عدم قدرة العقل على طرح الأسئلة الجديدة، فالفتاوى القديمة مدونة بإجاباتها الوافية، وحول هذا الأمر أسوق مجموعة من المقولات التي تبين عمق هذه المعضلة وأبعادها، حيث يقول ألبرت أينشتاين: «إن طرح الأسئلة الجديدة يعني الفهم الجديد لفكرة قديمة ثابتة، ومحاولة فهمها من زاوية أخرى»، ويرى أحد المفكرين أن التوقف عند الأسئلة القديمة دلالة على توقف الإنسان عن التعلم، وفي السياق نفسه تقول أستاذة علم النفس، أليسون غوبنيك، إن طرح الأسئلة هو الوظيفة الأولى للعقل، فبعد ولادتنا تبدأ عقولنا في التساؤل مباشرة عن كيفية إشباع حاجتنا الأساسية للغذاء. أسئلة فتاوى الفضائيات تشير إلى الطبيعة الذهنية للفرد المسلم، ويفسر محمد عابد الجابري هذه الحالة؛ واصفاً مسلم اليوم بالانفصال عن ذاته، فهو من جهة يحاول أن يجد نفسه في الماضي، ومن جهة أخرى يرى أنه جدير بالعيش في المستقبل، الأمر الذي يدفعه…

لا شيء يغير وجه التاريخ

الأربعاء ٠١ يونيو ٢٠١٦

تناول الفيلسوف الفرنسي، ميشيل فوكو، في أحد كتبه، خضوع الفكر المجتمعي في استقراء التاريخ لمحددات تدور حول تضخيم صور الأحداث والشخصيات التاريخية، لتأخذ قيمة أكبر من قيمتها الحقيقية، ولتتحول الأحداث الاعتيادية إلى بطولات في الأذهان، وبالتي تُحجز ذاكرة الأفراد لمصلحة هذه القصص التاريخية، وتجعلها دائمة الحضور في أقوالهم وردات أفعالهم. يحفل تاريخ الأمم بأبطال وهميين لا وجود لهم، تم اختلاقهم لتحقيق المجد الزائف للدول، كتلك الشخصيات التي تنسب إليها الاختراعات واكتشافات القارات، فإعطاء كريستوفر كولومبوس ـ مثلاً - فضل اكتشاف القارة الأميركية ما هو إلا تسجيل وهمي لأحقية أوروبا بالقارة الجديدة، كما تختلق البطولات التاريخية وأساطير الفرسان الشجعان، الذين يواجهون بمفردهم الجيوش ويهزمونها، بهدف منح الشعوب رصيداً معنوياً يقتاتون عليه كلما أحسوا بالضعف. أما تهويل الأحداث التاريخية، وتحويلها إلى حكايات متكررة تستنبط منها الدروس، فيعتبر - كذلك - أمراً اعتيادياً في ثقافات الشعوب، فمنذ حروب الرومان الأولى وحتى الحربين العالميتين، ستجد من يصف معركة بأنها غيرت مجرى التاريخ، ولو كانت هذه المعركة بين قبيلتين من 100 رجل، وامتدت نصف نهار، وقد يكون المؤرخ صادقاً، من منظوره الشخصي، كونه ابن القبيلة التي كسبت المعركة أو خسرتها، فالمنتصر سيكرر قصة هذه المعركة ليفخر بها، والمنهزم سيكررها ليستنهض الرغبات بالثأر والانتقام، والمفارقة المضحكة هنا أن الإنجليز يحتفلون سنوياً بذكرى معركة «واترلو»، التي يقال…