سلطان فيصل الرميثي
سلطان فيصل الرميثي
كاتب إماراتي

بشار الصغير

الأربعاء ٠٤ مايو ٢٠١٦

«السلطة تميل إلى الفساد، والسلطة المطلقة مفسدة مطلقة»، المفكر البريطاني اللورد أكتون. تدعم بحوث علم النفس الاجتماعي مقولة أكتون، فالسلطة تقود الناس إلى التصرف بطريقة متهورة، والاصطدام مع الآخرين ورغباتهم، وتؤكد البحوث تغير سلوك الناس حال اكتسابهم القوة، فيبدأون بالتصرف إما بألفة أو بعدائية، وهذا ما يطلق عليه اصطلاحاً «فتنة السلطة»، وتستثني تلك البحوث القيادات الناجحة، التي تتمتع بالذكاء الاجتماعي، وتخاطب الناس بتفهم مشاعرهم ومراعاة رغباتهم. تضرب تلك البحوث المثل في مجتمعات النمل، حيث لا تُعتمد القوة والقتال لتأسيس السلطة وفرض النفوذ، فبدلاً من ذلك، تكسب القيادات مكانها بالتأكد من أن كل نملة لديها ما يكفي من الغذاء، والعمل على حل الصراعات، وإنفاذ المبادئ التوجيهية للمجموعة. ومع ما نراه على شاشات التلفزة من جرائم، يرتكبها نظام بشار الأسد بحق شعبه، جدير بأن يقف المرء مع نفسه قليلاً ويحاسبها، وليسألها هل أنا أشبه بشاراً في شيء؟ هناك فرضية جديرة بالمناقشة؛ فبذرة الشر أو الخير في النفوس واحدة، كل النفوس الخبيثة يتضح خبثها بمجرد أن تجد سلطة تمدها بمقومات الظهور، فلو تعرضنا للظروف نفسها، وامتلكنا القوة نفسها التي يبطش بها بشار، فبالتأكيد سيظهر معدننا الطيب أو الخبيث، وكم من المخزي أن يلعن المرء المجرمين، وفي الوقت نفسه تحمل نفسه بذرة إجرام غافلٌ هو عنها. ولأن حدود سلطتنا تقتصر على الزوجة والأبناء والخدم،…

«وثائق بنما»

الأربعاء ٠٦ أبريل ٢٠١٦

قرأت مرة لنجيب محفوظ قصة شاب كان يعيش في إحدى حواري القاهرة، وفي أحد الأيام تحصل على منظار، وقرر استخدام المنظار في مراقبة سكان البنايات من حوله، ثم تبدأ القصة في سرد ما يحصل في كل بيت بالتفاصيل، وتتتابع الأحداث، حتى تظن أن الهدف من هذه القصة هو سرد المشكلات الاجتماعية والسلوكية التي يمر بها المجتمع المصري، ثم تُفاجأ بأن العمر يمضي بهذا الشاب حتى أمسى كهلاً، ولينقضي عمره خسارة، لقد كان هو نفسه المشكلة، أما سكان البيانات الأخرى، فرغم مشكلاتهم، فقد عاشوا الحياة واستمتعوا بها. توضح تلك القصة أن التلصص على الناس ظاهرة مرضية تقضي على صاحبها، حيث تجد المريض بهذا الداء متعطشاً لمعرفة خصوصيات الآخرين، ومراقبة ردات فعلهم، ليقارنهم مع نفسه، ويتخيّل نفسه في موقعهم. ذكّرتني تلك الرواية بفترات مراهقتنا الأولى، التي كنا نتسكع فيها بمعارض الكتب لنبحث عن العنوان المثير، مثل أسرار الماسونية العالمية، وخفايا الموساد، والعلاقات الغرامية للزعيم النازي أدلوف هتلر، وكنا كذلك نتسابق في شراء المجلات التي تحمل صوراً مثيرة، وعناوين مثل فضائح الفنانات، أو المغامرات السرية للاعب المشهور، مضى العمر في قراءة تلك الترهات ومتابعتها، ولم نندم إلا بعد أن أدركنا أننا أضعنا الكثير من الوقت في تتبع الترهات والأكاذيب، وأكثر كلمة أسمعها اليوم من زملائي القراء هي: كن نخبوياً في قراءاتك. حالة الفضول…

هل نحتاج إلى قانون خاص للمرأة؟

الخميس ٣١ مارس ٢٠١٦

طالعتنا الصحف المحلية بالأمس بإعلان ترويجي لمصلحة شركة طيران الاتحاد، ظهرت فيه النجمة الأميركية نيكول كدمان كوجه إعلاني، وفي وقت سابق لظهور هذا الإعلان كتبت صحيفة «الإندبندنت» تقريراً حول العقد الإعلاني الذي وقعته «كدمان» مع طيران الاتحاد، نقلت فيه ادعاءات وجهتها مجموعة من الناشطات النسويات ضد شركة الاتحاد، تتهم فيها الشركة بممارسة سياسات تتسم بالتمييز ضد المرأة، وكانت تلك الاتهامات فرصة عظيمة لشركتنا الوطنية استثمرتها لتشرح فيها مواقفها المناصرة للمرأة بشكل عام، والمزايا التي تتحصل عليها موظفاتها العاملات في الشركة، وهذه ليست المرة الأولى التي تُوجه فيه اتهامات باطلة ضد الدولة باسم حقوق المرأة، وأذكر جيداً ما نقلته إحدى المنظمات الحقوقية زوراً عن حال المرأة في دولة الإمارات، واصفة إياها بأنها ليست على قدم المساواة مع الرجل، حيث تحرم المرأة الحق في اتخاذ القرارات المستقلة! تعقد في دولتنا الكثير من الفعاليات التي تحتفي بالمرأة وتناقش قضاياها، وتعرض إنجازاتها المتحققة بدعم من القيادة التي وثقت بقدراتها وجعلتها شريك الرجل في تحمل المسؤولية، غير أن ما تبرزه تلك الفعاليات لا يكفي لتوضيح الصورة الحقيقية لمكانة المرأة في مجتمعنا، خصوصاً مع الحديث الساخن والمتصاعد عالمياً حول حقوق المرأة ومكافحة التمييز ضدها، وقد يكون الوقت قد صار مواتياً لصدور قانون اتحادي خاص يعالج وبشكل منفصل ومستقل حقوق المرأة في الإمارات، وليجمع في مواده ما…

جلد العم معيض

الأربعاء ٢٣ مارس ٢٠١٦

التخويف من العقاب، وممارسته ضد المخالف، هما جزء من ثقافتنا، في اعتقادنا السائد يكون العقاب مبرراً للتأديب والتقويم، وقد يكون أيضاً لردع الآخرين عن إتيان الفعل المشين، وأسوأ مبرراته هو الذي يكون بدافع الانتقام، وبعدما تمر اللحظة التي نوقع فيها الألم على الآخرين، يحق لنا أن نتساءل عن جدوى العقاب، ولو كنّا عقلانيين أكثر فسنتساءل عن جدوى استخدام وسائل أخرى، وبدائل للتأديب والتهذيب والتقويم. تداول المغردون، عبر وسائل الإعلام الاجتماعي، وسماً بعنوان «جلد العم معيض»، بعد شيوع فيديو يصور أطفالاً يلعبون الكرة داخل منزلهم، ثم ينالون العقاب من العم معيض، ومن بين مؤيد لفكرة التأديب نزولاً عند المثل الشعبي «العصا لمن عصى»، وآخرين معارضين وصفوا الحادثة بأنها نوع من العنف الأُسَري الذي يعاقب عليه القانون، استعرض قسم آخر من المغردين نصائح علماء النفس في تجنب العقاب الجسدي لتسببه في الأذى النفسي، حيث إنه يُشعر الطفل بالمهانة، ويدخله في حالة مرضية من الاكتئاب والقلق، وما ينتج عن ذلك من تحول الطفل إلى السلوك العدواني المناهض للعقاب، أو إلى شخصية مكسورة تنقاد للقوي الذي يحمل بيده العصا. وبعيداً عن المؤيد والمعارض؛ شدتني التعليقات التي قالت إننا جميعاً تعرضنا للضرب، والنتيجة كانت جيدة، تلك التعليقات تغافلت البعد الآخر والأثر السيئ الذي تركه العقاب الجسدي في نفسياتنا من خوف غير مبرر حتى بعد بلوغنا،…

أكبر منك بيوم

الأربعاء ١٦ مارس ٢٠١٦

في مطلع التسعينات، حاول الابن الأكبر إقناع والده بضرورة شراء هاتف محمول، احتاج الأمر إلى خمس سنوات ليقتنع الأب ويشتري الهاتف، غير أن الأب كان يحتفظ بدفتر يسجل فيه الأرقام، يضعه في جيبه ويخرجه كلما رغب في إجراء مكالمة، تجمع الأبناء على الأب الجالس على أريكته في منتصف الصالة محاولين أن يشرحوا له إمكانية تخزين الأرقام في الهاتف المتحرك، قال أحدهم: تراها سهلة، لم يقتنع الأب، مُجيبهم: وما العمل لو مُسحت هذه الأرقام أو ضاع الموبايل؟ ضحك الأبناء وانصرفوا، بعد عقد من الزمان تزوج الابن الأكبر وأنجب، وقرر شراء هاتف ذكي بناءً على إلحاح من ابنه البكر ذي العشر سنوات، بالنسبة للأب كان الهاتف الذكي جهازاً معقداً ومحيراً، وأكثر ما كان يضايقه هو الإشعارات بورود الرسائل، حاول مراراً وتكراراً إيقاف الإشعارات لكنه عجز، شكا لابنه الذي تناول الهاتف الذكي وعطـّل خاصية الإشعارات بضغطة زر، ابتسم الطفل؛ وقال لأبيه: تراها سهلة! كلما استرجعت هذه الحكاية، أقول: هل انقلبت الآية فصرنا في الزمان الذي يتعلم فيه الكبير من الصغير؟! تقول الإحصاءات إن نسبة الشباب في عالم اليوم تعدت الـ50% من المجتمع، وتشير التوقعات إلى أن النسبة قد تفوق ذلك بكثير في العقود المقبلة، بمعنى آخر أن كل من تخطى سن الـ40 اليوم سيُعتبر أقلية في مجتمع الغد، هل فكرت في مصطلح «الأقلية…

وَيلٌ للمُصَلينَ

الأربعاء ٠٣ فبراير ٢٠١٦

لا معنى للنصر إن لم يقترن بالفضائل.. هكذا يسرد التاريخ قصصاً حول أخلاق الفرسان وسمو النبلاء عند ملاقاة خصومهم، التاريخ يمجد شرف الجندي الذي تحكمه المبادئ في ميادين المعارك لا رغبات الانتقام الأهوج والغضب الأعمى، فضائل غابت عن فئة من الناس ناصرت الحق في مواقع الإعلام الاجتماعي بأساليب خلت من شرف الخصومة، فانتهجت وسائل ملتوية بالكذب على لسان الخصوم، فتقوِّلهم ما لم يقولوا، وتفننت في «دبلجة» مقاطع الفيديو واجتزائها لإيصال فكرة مبتورة خاطئة، وحالهم كالمستدل بقوله تعالى: «لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ»، لنهي الناس عن أداء فروضه عز وجل، ومنهم من جاء بمعتوه متشدد من إحدى الطوائف وعرض قوله المتطرف، ثم عمّم كلامه ليشمل جميع المنتسبين لتلك الطائفة، وكما أن للفضيلة تاريخاً فللرذيلة تاريخ أيضاً، يحكي قبح من نصر الحق بالباطل لينال من خصمه بالبهتان ولسان حالهم يقول: غايتي نصرة الحق بغض النظر عن الوسيلة. ومما يُروى أن أحد الكذابين وضع أحاديث كثيرة في فضل سور القرآن، فلما سئل: لماذا تضع الحديث وتكذب على النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال معتذراً: «أنا لا أكذب عليه، وإنما أكذب له». والعلة في بُغض المُدلسين واحتقار أفاعيلهم هي في إضعافهم الحق من حيث أرادوا نصرته، فسرعان ما يرتد الكذب على أهله، ليفقد الحق بجريرتهم مصداقيته، ويُزهد في الحق وأهله لرعونة المدلسين وخستهم، ويصطف الناس بعدها…

المصالح لا تقبل القسمة

الأربعاء ١٤ أكتوبر ٢٠١٥

أيهما يسبق الآخر العربة أم الحصان؟ مصالح الوطن أم الفكرة الأيدلوجية؟ المزايدات بين التيارات والمدارس الفكرية لن تتوقف، يقول أحدهم: الدول المستقلة بقرارها والساعية لتحقيق مصالحها الوطنية، لا تقبل أن تستمد شرعيتها من أشخاص يحملون توجهات أيدلوجية، فشرعية الدولة وقوة مؤسساتها تضعف متى وُضع بينها وبين شعبها وسيط يحفل التاريخ بقصص انهيار الدول ذات الأيدلوجية الحزبية الواحدة، التي صنعت الفراغ بين الحاكم والمحكوم، ومثال ذلك حزب البعث، حيث رُبط بين الولاء للوطن والإيمان بمعتقدات الحزب، واشترطت العضوية في الحزب كمهر صداق بين الدولة وأفرادها، ومثال آخر من الثورة الإيرانية، فالسنوات التي سبقت 1979 شهدت تطوير رجال الدين قدراتهم على التعبئة الشعبية بدرجة تفوق قدرة الدولة، ثم سُيس المذهب الشيعي ليملك رجال الدين السلطة المطلقة. أما في الجزيرة العربية، فمازلنا نذكر حادثة جهيمان الإرهابية، التي أرادت أن تنسل الأمة من وطنيتها بادعائها ظهور المهدي المنتظر، نعم الحادثة انتهت لكن السؤال هنا: كيف ستتعامل الدول الدينية لو تكرر الادعاء بظهور المهدي بصورة أكثر تطوراً؟ وهل سيكون هناك جدوى من توظيف الدين لضمان الولاء للوطن وقيادته؟ في المقابل؛ لا ينتظر القائمون على حفظ المصالح العليا للدولة رأي الاخرين فيهم، لأنه من البداهة أن تكون في ممارسات الإضلال والإفساد إضرار للمصالح العليا ومسوغ لضربها بالقانون، ومن عدالة الدولة ألا تنسب هذا الإفساد إلى توجه…

لماذا يلعبون الغولف؟

الأربعاء ٠٧ أكتوبر ٢٠١٥

مع المساحات الخضراء الشاسعة، التي تحتلها ملاعب الغولف، يحق لنا أن نتساءل عن سر تعلق لاعبي الغولف بهذه الرياضة، فبالنسبة لهم تتعدى هذه اللعبة مسألة رمي كرة بحجم البيضة في حفرة بغرض تسجيل الأهداف، فهم - كما يدعون - يعيدون الصفاء إلى أذهانهم من خلال التحدي وإثبات قدرتهم على التركيز واختيار الأهداف، ومن ثم تنفيذ الضربات. والشاهد على صحة هذا الادعاء هو تلك القصة المشهورة التي تداولها الإعلام الأميركي حول الانتقادات التي طالت الرئيس الأميركي باراك أوباما، لأنه توجه لممارسة لعبة الغولف مباشرةً بعد إلقائه خطاباً حزيناً حول حادثة قتل الصحافي الأميركي على يد «الدواعش»، وكان رد البيت الأبيض أن الرئيس توجه للعب الغولف حتى يصفي ذهنه، ويخفف الضغط الذي يتعرض له جراء وظيفته المليئة بالمتاعب، وأن الأنشطة الرياضية هي بغرض الترفيه وأسلوب جيد لتصفية الذهن. يربط الكثير منا ممارسة الرياضة ببرامج فقدان الوزن أو كسب اللياقة وبناء العضلات، ويغيب عنا دورها النفسي باعتبار أن الروحانيات تقتصر على ممارسة العبادات الدينية والشعائر، غير أن الدراسات العلمية الحديثة تشير إلى فاعلية ممارسة الرياضة البدنية بصفة مستمرة ومنتظمة في تحسين الحالة العاطفية، وتنشيط الذاكرة، وتعديل المزاج. يقول الدكتور فاروق عبدالوهاب، في مقدمة كتابه «الرياضة صحة ولياقة بدنية»، إن «الرياضة جزء من الأمن القومي، لأنها وسيلة فعالة للتربية وتعديل السلوك، ومع دورها في…

الشائعات.. السلاح القاتل

الأربعاء ٢٣ سبتمبر ٢٠١٥

في الحرب العالمية الثانية، أنشأت الولايات المتحدة الأميركية سرباً خاصاً من الطائرات، كانت مهمته إسقاط أكثر من سبعة ملايين نسخة من المنشورات كل أسبوع فوق أوروبا المحتلة، وقد مهدت هذه المنشورات الطريق لسقوط إيطاليا ومن ثم بقية الدول، لقد شكلت الدعاية الحربية في أهميتها أداة هجومية تساوي السلاح الحربي من ناحية الأثر، لكونها تنفذ إلى عقول البشر وتجعلهم يعيشون تحت رحمة حملات الترهيب والتضليل والتشويه للحقائق، والتلاعب المدروس بالمعنويات لذا شاعت تسميتها بـ«الحرب النفسية»، وفي الطرف الآخر من الحرب العالمية لمع نجم وزير الدعاية النازي، جوزيف غوبلز، الذي يعتبر المؤسس الحديث لما يعرف بقواعد الحرب النفسية، وهو صاحب المقولة الشهيرة: «اكذب حتى يصدقك الناس». الحالة تتكرر في كل حرب، غير أن الجديد في عصر التقنيات أن جيوش العدو لم تعد بحاجة إلى طائراتٍ تلقي المنشورات، فوسائل التواصل الاجتماعي تقوم بالدور نفسه من ناحية الوصول للمتلقي والتأثير فيه، وهذا ما نراه جلياً في المعركة التي يقودها التحالف العربي لتحرير اليمن وإعادة الأمل، حيث نشطت مجموعة من الحسابات في نشر الشائعات التي تهدف إلى التشكيك في النتائج التي يحققها التحالف على الأرض، من خلال الترويج للأكاذيب ومحاولة بث الذعر والتوتر والقلق في نفوس شعوب المنطقة، وللأسف لقيت بعض تلك الحسابات من يروج لها بحسن أو سوء نية، فكان منهم من نشر ما…

جماعة «الغلط من الدولة»

الأربعاء ١٢ أغسطس ٢٠١٥

في عام 1949 كتب جورج أورويل روايته العظيمة «1984»، التي تنبأ فيها بأحداث العالم سنة 1984، تحدثت الرواية عن دولة شمولية تراقب كل شيء وتعرف كل شيء من خلال «شاشة الرصد»، التي تخترق بيوت جميع الناس لتنقل ما يدور خلف الجدران. الأمر قد تغير الآن، فلم يعد العالم بحاجة إلى كل هذه الجهود الضخمة لمعرفة ما يدور في الشارع وخلف الجدران، والفضل لوسائل التواصل الاجتماعي التي كشفت عن توجهات الناس ومستوى تفكيرهم وتطلعاتهم، إلى درجة يمكن معها إجراء دراسة لاستطلاع الرأي العام بمجرد وضع «هاشتاق»، ومن ثم رصد الردود والتعليقات. وبالمثال يتضح المقال، شاهدت فيديو متداولاً على الإنترنت، يعرض سائقاً يؤدي ألعاباً بهلوانية خطرة تمثلت في حمل السيارة للسير على إطاريها الجانبيين، بعد المشاهدة تتبعت بعض التعليقات السلبية المصاحبة للفيديو، كتب أحدهم: «إن هذا الشاب المتهوّر براتبه المرتفع لم يعانِ للحصول على سيارته، فهو لا يدرك قيمة المال، وإن الدولة أخطأت لأنها وفرت له هذا الراتب». لم يرق لي هذا التعليق مطلقاً؛ وكأن على الدولة أن تنغص حياة مواطنيها لتكافح حالات القيادة بتهوّر. تعليق آخر يقترح «على الدولة وضع دوريات أكثر بأماكن تجمعات الشباب»، وأعتقد أن تطبيق هذا الاقتراح يستلزم الاستعانة بأفراد للشرطة يعادل عدد أفراد قوات حلف الناتو. التعليق الأخير كان بصوت أكثر أبوية، أوضح أن «الشباب طاقات، كلنا…

صوت المُشاهد العربي

الأربعاء ٠٥ أغسطس ٢٠١٥

المُشاهد العربي مصاب بحالة من العمى والخرس، فبينما تمتلئ شاشات التلفزة بالمسلسلات المحلية، وتعرض السينما العربية كماً هائلاً من الأفلام على نحو متصل طوال العام، إلا أننا نجد استحالة الاطلاع على وصف مسبق محايد حول المادة الفنية المعروضة قبل مشاهدتها، فيكون قرار المشاهدة وكما يُقال «بالعَميانِي»، وإذا بحثت عن صوت المُتلقي العربي بعد مشاهدته للمسلسلات والأفلام فلن تسمع سوى بعض التعليقات المُقتضبة التي تصف المنتج الفني بالجيد أو الرديء. في الجهة المقابلة، تحظى المادة التلفزيونية والسينمائية المُنتجة باللغات الأجنبية، مثل الإنجليزية والأردو، بالكثير من المراجعات الفنية من قبل المُتلقي، فعلى سبيل المثال، وفي أحد مواقع الإنترنت، تخطى الفيلم الأميركي «العراب» حاجز المليون تعليق كتبها مشاهدو الفيلم. إن ظاهرة «خرس المشاهد العربي» قد تكون نتيجة عدم وجود منصة عربية على شبكات الإنترنت تعرض آراء المشاهدين، كما لا تُخصص غالبية الصحف المحلية مساحة لنشر المُراجعات التي يكتبها المشاهدون، الأمر الآخر يختص بالمشاهد العربي نفسه، الذي يعتقد أن النقد حق مقصورٌ على النقاد المتخصصين دون سواهم، ولا يجوز له بحال من الأحوال عرض رأيه الشخصي بشأن فيلم أو مسلسل أمضى ساعات طوالاً في مشاهدته، يضاف إلى ذلك الاستقلالية التي يمتاز بها المشاهد الأجنبي وإحساسه بأنه يتمتع بالنضوج ويملك الحرية الكاملة للتعبير عن رأيه بشأن أي عمل فني، فلو وصف عملاً تلفزيونياً بأنه «سيئ…

الشرك والمشركين

الأربعاء ٠١ يوليو ٢٠١٥

كل شيء في صلاة التراويح كان على أفضل حال، المسجد الفخم بأعمدته الرخامية والثريات المتدلية من قبابه والزخارف المزينة للمحراب، كل شيء سار وفق المعتاد حتى وصلنا إلى دعاء القنوت، ولأول مرة في حياتي؛ انتبهت لدعاء الإمام «اللهم أذل الشرك والمشركين»، دارت حينها أسئلة في رأسي لماذا الدعاء على المشركين بالذلة، وهل فعلاً سنستفيد إن أذلهم الله تعالى، أم أن عزتنا نحن المسلمين لا تتحقق إلا بذل غيرنا، أوَليست رسالة الإسلام ــ كما ندّعي ــ هي إعلاء قيم الإنسانية ونشر الهدى، أم رسالته عبر مكبرات صوت المساجد هي إظهارنا الرغبة في إذلال الناس وصدهم عنا؟ دع عنك كل هذا، واسأل نفسك كيف يكون حال من أمضى سنوات يردد كلمة «آمين» خلف هذا الدعاء، ألن يتبرمج داخلياً ليفرح في كل مصيبة تحل بغير المسلمين، وقد يتعدى الأمر ذلك ويمارس إذلالهم متى استطاع لذلك سبيلا. ولأنني لست مختصاً بالعلم الشرعي، ولأن البعض لا تروق له فتاوى الشؤون الإسلامية والأوقاف، عدت لفتوى من موقع الإسلام سؤال وجواب، ذي المنهج السلفي المأصل، فكان السؤال عن مدى صحة الدعاء «اللهم أذل الشرك والمشركين»، والإجابة كانت أن هذا الدعاء لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن أحد من أصحابه، أو ممن خلَفهم، وإنما اعتاد الدعاء به بعض الأئمة في القنوت، وانتهت الفتوى بعبارة…