زياد الدريس
زياد الدريس
كاتب سعودي؛ كان سفيراً لبلاده في منظمة اليونسكو

أسئلة للتفجير!

الأربعاء ٠٣ يونيو ٢٠١٥

الأجوبة السليمة ليست وليدة ذكاء المجيب، بل وذكاء السائل أيضاً. لذا فتوليد الأسئلة لا يقل أهمية، في خوضنا لحل المشكلات، عن استدرار الأجوبة. وهو الأمر الذي نغفل عنه كثيراً حين نواجه مشكلات طارئة فننطلق بانفعال وحماس للبحث عن حلول عبر أسئلة خاطئة لا يمكن أن تنتج حلولاً صائبة. هذا ما تبدّى في أعقاب التفجيرين الإجراميين في مسجدي القديح والعنود، على التوالي. ارتبك الناس، وحُقّ لنا أن نرتبك، من الألم والخوف... الألم من قتل المصلين الأبرياء والخوف على أمن وطننا المتماسك. تركزت أسئلة التفجير حول المشكل الطائفي، عطفاً على أن القاتل سنّي والمقتول شيعي. من دون شك أن الطائفية داء مستشرٍ الآن ولا يمكن لأحدٍ أن ينكره أو يستصغره، والتأجيج والتحريض الطائفي موجود في الخارج والداخل ببشاعة متناهية، ويجب تجفيف منابعه التي يمكن الوصول إليها، على الأقل داخل الوطن الواحد. لكن سؤال الطائفية وحده لا يكفي لتوصيف دوافع منفذ الجريمة واختياره مسرحها ووقائعها، فـ «الدواعش» الذين صنعوا القاتل قد تجاوزوا مرحلة الفرز بين السنّة والشيعة والمصلي وغير المصلي والمسجد والكباريه، فهم يرون كفر كل من سواهم ومشروعية قتله، لكنهم يُفرّعون في مبررات جرائمهم، وإن كان الأصل التبريري واحداً ومشتركاً لكل مستحقي الموت خارج دائرتهم. لو كانت دوافعهم الإجرامية في التفجيرين طائفية بحتة، إذاً: لماذا قاموا بتفجيراتهم الإرهابية في تجمعات سنيّة خارج…

حفلات كيدية!

الأربعاء ٢٠ مايو ٢٠١٥

أحياناً نحتاج إلى إعادة تعريف الأشياء المعروفة، إما بسبب نسيان المفهوم أو بسبب العبث بالتعريف الأصلي له من لدن منتفعين خلفه. تعريف (الحفلة) هو: إقامة مناسبة استثنائية للاحتفال بحدث استثنائي. ولأن الأحداث التي يصدق عليها وصف «استثنائية» ليس من عادتها التكرار، فإن يوم «الحفلة» يصبح يوماً استثنائياً نادر التكرار من بين الأيام الاعتيادية، ومن هذه الندرة يكتسب هذا اليوم الاحتفالي امتيازه وبهجته. ما يجري الآن في مجتمعنا من توالي الحفلات واختلاق الأسباب غير الاستثنائية لها هو عبث بمضامين هذا المفهوم الفرائحي وتفريغٌ له من محتواه الذي أُسّس لأجله. أوجد الإنسان المتمدن فكرة الحفلة للتعبير عن فرح استثنائي، وإذا تكاثرت الحفلات تحولت إلى سلوك اعتيادي، وبالتالي يتحول الفرح بها أيضاً إلى شعور اعتيادي... باهت أحياناً. كان الإنسان القروي يحتفل مرتين في حياته: حفلة الختان (في بعض المجتمعات) وحفلة الزواج. ثم لما تمدّن أصبح يحتفل مرتين: حفلة التخرج في الجامعة وحفلة الزواج. الآن، ومع فائض التمدن، انتكس الإنسان إلى نوع آخر من القرويّة وهو سوء استخدام التمدن، أو سوء التعبير عنه، إذ صارت الحفلات تقام للطفل لمناسبة ولادته، عبر احتفالية باذخة في مستشفى الولادة، ثم حفلة لمناسبة بدئه المشي، ثم لمناسبة دخوله المدرسة ثم لمناسبة «تخرّجه» في الابتدائية ثم في المتوسطة ثم الثانوية فالجامعة، ثم لمناسبة زواجه، ثم كل عام لمناسبة ذكرى…

مجلس تعاون الجزيرة العربية

الأربعاء ٢٩ أبريل ٢٠١٥

عصفت «عاصفة الحزم» بالكثير من الرؤى والآمال والأفكار المسبقة إلى مدى أوسع وأرحب بكثير مما كان يطمح إليه المتطلّعون. كنا نتطلع إلى تفعيل فكرة الإتحاد الخليجي، لكننا تنبهنا، وإن متأخراً، إلى أن أي صيغة للتعاون الخليجي لن تكتسب الاستقرار التام ولن تنخرط في التنمية المستدامة ما دام أن اليمن المجاور سيبقى وحده في هذه الجزيرة العربية كأنه الأخ غير الشقيق لبقية الدول الشقيقة! يجب أن نعترف الآن، أننا في مرحلة تاريخية سابقة، لها ظروفها وملابساتها، انشغلنا في سبيل تكوين وحدة إقليمية تجمعنا وتوحد صفوفنا وهمومنا بقاسم مشترك أصغر عن قاسم مشترك أكبر. الأصغر هو الخليج العربي، والأكبر هو الجزيرة العربية. هذا الخطأ الاستراتيجي في اختيار الرابط الوحدوي الأصح جعلنا نخسر اليمن من وحدتنا الصغرى... حتى كدنا الآن نفقدها من عروبتنا الكبرى. طوال التاريخ الثقافي، لم تتحدث كتب البلدان ومدونات الرحلات عن (الخليج العربي) مثلما تحدثت بإسهاب وشغف عن (الجزيرة العربية) أو (ARABIA) كما تسمّيها الوثائق الأجنبية. ظلّت شبه الجزيرة العربية، وهي بالمناسبة أكبر شبه جزيرة في العالم، مَعبراً دائماً للعديد من خطوط التجارة والثقافة بين الشرق والغرب، ما أكسبها أهمية استراتيجية دائمة، حتى اكتسبت أهميتها القصوى بظهور فجر الإسلام على أرضها، ثم تجددت الأهمية الاستراتيجية لها عند العالم بأسره بتدفق قطرات النفط على أرضها. تقع الجزيرة العربية على مساحة تفوق…

لعبة «الشيطان الأكبر»

الأربعاء ٠٨ أبريل ٢٠١٥

إليكم موجزاً لأخبار الأسبوع الماضي، ولكن مع تعديل في الألقاب فقط: «وزير خارجية الشيطان الأكبر ووزير خارجية الملاك الأكبر، يتجولان على ضفاف بحيرة جنيف عشية استكمال محادثات الملف النووي الإيراني». «وزير الشيطان الأكبر يستضيف نظيره وزير الملاك الأكبر، على مائدة عشاء في أحد المطاعم السويسرية». «الشيطان الأكبر يُثني على المهارة التفاوضية لنظيره الملائكي»! ما سبق، نماذج لأخبار عالمية متداولة، تمت إعادة صياغتها فقط وفق لغة الإعلام الإيراني منذ ما بعد الثورة حتى ما قبل الاتفاق النووي. لعبة الشيطان الأكبر ليست جديدة في ألاعيب السياسة، فدول كثيرة استخدمتها سابقاً، إما ضد: الصهيونية أو الإمبريالية أو الشيوعية أو القومية العربية أو الصحوة الإسلامية. بحيث يتحكم هذا التصنيف الشيطاني في تحديد نوعية العدو، فيكون تارة إسرائيل وتارة أخرى «طالبان» أو البعث أو «الإخوان المسلمين» أو «داعش»، وهكذا يتم اكتشاف العدو الأول مجدداً كل حين. ما تختصّ به إيران من دون غيرها في ممارسة هذه اللعبة، أنها أطالت مدة اللعب بورقة «الشيطان الأكبر» لأكثر من خمس وثلاثين سنة، في ممارسة عدائية / طهورية باسم الدين، حتى إذا حانت اللحظة التاريخية لسقوط الأوراق تبين أن الشيطان الأكبر، بالتعاون مع الشياطين الصغار في الغرب، يتفاوض مع الملاك الأكبر ضد مصالح الملائكة الصغار في المنطقة! كل الأوصاف السابقة افتراضية، فلا شيء يؤكد الآن أن الشيطان الأكبر هو…

(سعودية سلمان) لن تكون (عراق صدّام)

الأربعاء ٠١ أبريل ٢٠١٥

«عاصفة الحزم» ... هل هي عملية عسكرية أم عمل سياسي؟ هذا هو السؤال الذي يجب أن يتعمّق فيه من يريد أن يفهم حكاية التحرك السعودي المفاجئ والمبهر للعالم أجمع منذ انطلاق العمليات العسكرية، فجر الخميس الماضي، ضد الانقلاب الحوثي في اليمن، الذي تمدد وتجهبذ في جهات اليمن الأربع حتى بات مهدداً حقيقياً لدول الجوار. لن أقول إن السعودية تأخرت، ولكن صبرت وتريّثت متذرعة بسياسة النفَس الطويل كعادتها دوماً، حتى أصبح السكوت على تفرعن الحوثيين أمراً لا يطاق، فكان «الحزم» هو الحل. «عاصفة الحزم» ترمي إلى تحقيق أهداف مباشرة وأخرى غير مباشرة. فهي إضافة إلى هدفها الأساسي في لجم الميليشيات الحوثية وتعريتها وتشتيتها، فقد استطاعت أن تحقق «الاتحاد الخليجي» الذي دعا إليه الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز. تَحقّق الاتحاد الخليجي في السماء قبل أن يتحقق على الأرض! في الحقيقة أن المملكة العربية السعودية لم تصنع بـ «عاصفة الحزم» تحالفاً خليجياً فقط أو عربياً فقط بل صنعت تحالفاً إسلامياً لمواجهة مختطفي الإسلام ومشوّهيه. وهو تحالف يتشكل لأول مرة بهذا الحجم وهذا التنوع، ما يشي بحجم الغضب الذي بلغته هذه الدول المتحالفة تجاه عبثيات وكلاء إيران في المنطقة. لكن بالعودة إلى السؤال أعلاه، كيف نستطيع أن نميّز إن كانت هذه العاصفة عسكرية فقط أم أنها سياسية قبل وبعد عسكرتها؟ الإجابة نجدها في التحركات…

ههههههه

الأربعاء ٢٥ مارس ٢٠١٥

شاعت هذه العلامة الترقيمية (ههههه) في كتابات الجيل الجديد، أو أيضاً في كتابات الجيل القديم في الوسائط الجديدة، للدلالة على أن ما قبلها هو موضع تبسّم! لم تكن هذه الإشارة موجودة ومستخدمة في ما سبق من أزمنة التكاتب، فما الذي فرض الحاجة إليها: هل هو تفاقم صعوبات فهم عند القراء المعاصرين، بحيث لم يعودوا قادرين على فهم مواضع الفكاهة من دون مساندة ولوحات إرشادية؟! أم أنها صعوبات تعبير عند الكتّاب الذين ما عادوا قادرين على إيصال فكرتهم بأسلوب واضح وسلس يمكّن القارئ له من فهم مواضع السخرية والتفاعل معها من دون مساعدة أحد؟! أم أنها خارج نطاق مسؤولية الكاتب أو القارئ، بل هي مسؤولية الإعلام الجديد الذي خلط الحابل بالنابل والساخر بالدامي والمضحك بالمبكي والمبهج بالمقزّز، فاستدعت هذه الاختلاطات الحاجة إلى تمييز أنواع وفئات ما يحويه الخلاّط الإعلامي؟!! وهل ستكون العبارة الساخرة المكتوبة للقارئ بعذرية وعفوية، جالبة للضحك والمسرّة له من تلقاء نفسها، كمثل مفعولها إذا اغتُصبت عبر إلحاقها بـ ههههههه؟! في ما مضى، لم يكن الكاتب الساخر هو الذي يقع تحت منظار التقييم فقط، بل والقارئ أيضاً عبر تقييس قدرته على فهم اللذعة الكتابية والتجاوب والتفاعل معها بحسب مكونه الثقافي والنفسي. أما الآن فقد أربك طوق النجاة الضاحك هذا القدرة على تقييم شطارة الكاتب في الإضحاك ونباهة القارئ في…

مالك بن نبي القحطاني

الأربعاء ١٨ مارس ٢٠١٥

كثيرون هم الذين كتبوا وتحدثوا عن تجديد الفكر الإسلامي وتطوير الخطاب الإسلامي وإصلاح العالم الإسلامي. وإن تم ربط هذه المبادرات النهضوية غالباً بأسماء جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده ورشيد رضا، ما يؤدي إلى إغفال أسماء سبقت هؤلاء الثلاثة وأسماء جاءت بعدهم وأسهمت مثلما أسهموا وربما أكثر، لكن الوضع الجيوسياسي للعالم الإسلامي حينذاك هو الذي فرض رسوخ هذه الأسماء الثلاثة واستئثارها بنبرة التجديد والإصلاح والنهضة عمّن أسهم بعدهم في هذا الحقل الحيوي بنصيب وافر من الأطروحات المغروزة بعمق في خطاب التجديد، من أمثال: الطاهر بن عاشور وعلاّل الفاسي ومالك بن نبي، والأخير هو الاسم الأشهر بينهم في المشرق العربي، والذي اشتهرت عنه نظرية «القابلية للاستعمار» كإحدى أبرز وأصدق أدوات تفسير حال العالم العربي والإسلامي مع الاستعمار. لا أحد يمكنه الزعم بأن تجديد الخطاب الإسلامي بفعل أولئك المجددين قد أُنجز أو أن الإصلاح قد تم، أو أن النهضة على وشك البزوغ بين عشية وضحاها. لكن من الإنصاف أيضاً لتلك الجهود عدم الظن بأنها قد ذهبت سدى قياساً على الواقع «الأسوأ» الذي يعيشه العالم الإسلامي الآن، إذا استثنينا التجربة النهضوية الماليزية. فأطروحات مالك بن نبي خصوصاً ما زالت تفعل فعلها في الخطاب التجديدي الذي ما برح يقاوم الإحباط، فيظهر بين حين وآخر على أيدي بعض الكتّاب والباحثين المسكونين بهاجس المراجعات التاريخانية والتجديد العصراني…

الملك – المثقف

الأربعاء ١١ مارس ٢٠١٥

حين كتبت مقالتي «الملك - المواطن»، في هذا العمود قبل أكثر من شهر، في رثاء الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز، ختمت مقالتي تلك بعبارة: «رحل الملك المواطن، وجاء الآن دور الملك المثقف، ولهذا حديث مستقل سيأتي لاحقاً». لكنّني قبل تسليم المقال إلى الصحيفة بدقائق حذفت هذه العبارة خشية أن يساء فهم إرجائها «لاحقاً»! أتخلى اليوم عن التأجيل وأستعيد هذه العبارة من دون تردد، لمناسبة تحوّل الرياض خلال الأسبوع المنصرم وهذا الأسبوع إلى عاصمة العالم السياسي من خلال استقبالها أكثر من ١٥ زعيماً خليجياً وعربياً ودولياً، وإلى عاصمة العرب الثقافية من خلال انشغالها الكبير والحاشد بتظاهرة معرض الرياض الدولي للكتاب. تعرّف العالم إلى ملوك تجّار وملوك رياضيين وملوك طيارين، لكنه قلّما تعرّف إلى ملكٍ مثقف، لأن الثقافة الحقيقية، لا التجميلية، تحتاج إلى بناء تراكمي قد لا يجد الملك الوقت الكافي لمنحه القراءة المعرفية، والانشغال عنها بإدارة شؤون البلاد. لكني أستحضر في ذهني نموذجين معاصرين للملك المثقف الذي بنى ثقافته وأثراها في سعة من وقته قبل أن يتملّك. الأول: الأمير سلمان بن عبدالعزيز الذي أصبح ملكاً الشهر قبل الماضي. والثاني: الأمير تشارلز، ملك بريطانيا المنتظر! كثيرة هي الحكايات الثقافية عن الملك سلمان ومعه، ويوشك أن يكون لكل مثقف أو كاتب سعودي معه حكاية لقاء مكتبي أو حديث عابر أو مكالمة هاتفية على…

في مسألة أن فلاناً (أصله يهودي)!

الأربعاء ٢٥ فبراير ٢٠١٥

كان مصطفى كمال أتاتورك هو الشخصية الأولى التي تعرّفت من خلالها على فكرة (الأصل اليهودي) للأشرار أو، في شكل أدقّ، للأشخاص الذين لا نحبهم أو نريد أن نشوّههم. ثمّ لسبب ما مفاجئ تم وضع المصلح جمال الدين الأفغاني في القائمة المشبوهة. بدأت القائمة تتوسع شيئاً فشيئاً، بعد أن لقيتْ مفعولاً مؤثراً في المجتمع العربي. ثم انبعجت القائمة وفقدت الفكرة هيبتها بعد أن أصبحت مقولة: «فلان أصله يهودي» هي تهمة من لا تهمة له، كما أنها خلطت أخياراً بأشرار. فالداعية الإسلامي حسن البنا أصله يهودي والزعيم القومي جمال عبدالناصر كذلك وصدام حسين لا يخلو نسبه من عرق يهودي والقذافي تبيّن أن أسرته من أصول يهودية والرئيس الإيراني المتشدد أحمدي نجاد ينحدر من يهود أصفهان والسيسي أمه يهودية. وقائمة طويلة تشمل، إلى جانب السياسيين، دعاة ومثقفين وفنانين وتجاراً ورجال أعمال طبعاً، وقد كان زعيم الحوثيين في اليمن هو أحدث من تم إدراجه في قائمة ذوي الأصول اليهودية. حديثي هنا ليس عن نفي أو إثبات الأصول اليهودية لقوائم «المشتبه بهم» أو المغضوب عليهم من مشاهير العالم العربي أو الإسلامي، بل هو عن تأويل فكرة التعلق بتهمة الأصل اليهودي لتفسير المواقف الرافضة أو الكارهة لشخصٍ ما، فالاستسهال في توظيف هذه التهمة سيحيل إلى استنباطين: الأول: أن كل ذي أصل يهودي لا بد أن يكون…

حرية الرأي… حرية الشتم!

الأربعاء ١٤ يناير ٢٠١٥

ماذا بقي كي يقال عن الاعتداء الإرهابي على صحيفة «شارلي إيبدو» بباريس الأسبوع الماضي؟! قيل الكثير عن التشكيك في سيناريوات الحادثة وملابسات العجلة في قتل المعتدين وإغلاق ملف الجريمة! وقيل الأكثر والأهم عن التأويل الثقافي والدلالات المعرفية لأسباب الحادثة ودوافعها. إذا كان الكل بات مؤمناً بخرافة الحرية المطلقة، وأنه مهما بلغت درجة التسامح والتعايش وقبول التنوع في المجتمعات الليبرالية فإن للحرية (المطلقة) حدوداً، لا تستطيع هذه الأدبيات المثالية تجاوزها. هكذا، فإن من باب أولى أن نتوافق على أن لحرية التشاتم حدوداً إذا تجاوزتها فسيتحول العنف القولي إلى عنف فعلي. قد يتقبّل المجتمع الإنساني حرية الرأي اللامحدود حتى في المقدّس، لكن هل يمكن حضارة إنسانية عاقلة أن تقوم على مبدأ حرية الشتم؟! هل يليق بحضارة إنسانية ناضجة أن تقدّس الملوك أكثر من الأنبياء؟! كرّست منظمة «اليونيسكو» الكثير من قراراتها واتفاقاتها من أجل حماية حرية التعبير، وفعلت بالمثل وأكثر من أجل الحفاظ على حرية التنوع الثقافي. إذا كان المعتدون على الصحيفة قد انتهكوا حرية التعبير والرأي، فإن رسامي الصحيفة انتهكوا حرية التنوع والاختيار. كما لم يعد خافياً المأزق الأخلاقي الذي تواجهه مؤسسات الإعلام الغربي حين تتطاول على نقد كل شي .. كل شي في هذا الكون، لكنها تتقزّم أمام ملف واحد فقط غير قابل للنقاش، بسبب قانون معاداة السامية! لا أعني هنا…

منافع انتحال شخصية!

الأربعاء ٠٧ يناير ٢٠١٥

مررت في الأسبوع الماضي بتجربة فريدة جراء قيامي بـ (انتحال شخصية)، بالتراضي أو بالأصح بالتواطؤ بين المنتحِل والمنتحَل! قررت الجمعية السعودية للمحافظة على التراث أن تمنح حسابها على «تويتر» (# نحن_تراثنا) لشخصية محددة كل أسبوع، من دون أن تعلن لمتابعي الحساب الاجتماعي عن اسم الشخصية التي تغرّد باسمها حتى نهاية الأسبوع المعار. شكراً للزملاء في الجمعية الذين أنعموا عليّ بهذه الفرصة التأمليّة. ستلاحظون أن فرادة التجربة ليست في مداولة الموقع بين المهتمين، إذ سبق أن قامت بعض المطبوعات والوسائل الإعلامية بإجراء مماثل في مداولة البرامج أو الصفحات أو الزوايا بين أشخاص متعددين متنوعين. لكن جِدّة تجربة الجمعية السعودية للمحافظة على التراث هي في إخفاء هوية «منتحل» الحساب حتى تنتهي مدة الاستضافة المخفيّة. ظننت في البداية أن فرادة التجربة هي في فرادة الفكرة فقط، لكني وجدتُ بعد الانغماس فيها، وبدرجة أكبر بعد الانقضاء منها والتأمل في أجوائها، أن هناك أبعاداً أخرى أخاذة للتجربة تنبثق من سيكولوجية التعاطي مع هذا المنتحل من خلال البعدين الثقافي والاجتماعي. إذ لمست أني أكتب أشياء في هذا الحساب المستعار قد أتردد في كتابتها تحت حسابي المسجل باسمي الشخصي. ليس هذا من منطلق اللامسؤولية واللامبالاة كما ظننتُ في البدء، بل هو تفسيرٌ لوجود أكثر من شخصية في دواخلنا، أو لقدرتنا أن نكون أكثر من هويّة في جسد…

ظنوننا التي وراء (الأكمة)!

الأربعاء ٢٤ ديسمبر ٢٠١٤

انقضت الأسبوع الماضي احتفالية «اليوم العالمي للغة العربية»، وقلت في نهاية اليوم الطويل: انتهينا الآن من الاحتفالية ولم ننته من يوم اللغة العربية، الذي نريده في كل يوم من أيام العام، ليس احتفالاً بل احتفاءً بها، إذ المدخل الحقيقي والفعال لرفع مكانة اللغة العربية هو ليس في كثرة مديحها، بل في كثرة استخدامها. غشي المناخَ العربي في الموقف من الاحتفالية أمزجةٌ عديدة، متناقضة ومتكاملة أحياناً، قلّة اعترضت عليها من منطلق ديني يرى سفاهةَ ومخالفةَ الاحتفال بالأيام المناسباتية عموماً، الموقفَ الشرعي. آخرون -أكثر منهم- اعترضوا على تفاصيل مرتبطة بالاحتفالية، وبالتحديد على مضامين الشعار المكرس للاحتفال، وتحديداً على نقطتين هما: لماذا اختير تاريخ الاحتفالية بالميلادي (الأجنبي) وليس بالهجري (العربي)؟ وبغضّ النظر عن جدلية إن كان التقويم الميلادي أجنبياً حقاً والعربي هو الهجري فقط، فقد نسي أولئك أن منظمة دولية كالـ «يونيسكو» لا يمكن أن تستخدم التاريخ الهجري في قراراتها، وأن إصرارنا على الهجري كان سيحيلها من مناسبة عالمية إلى محلية فقط، وهو ما لا ننشده ولا ينشده حتماً المعترضون. الاعتراض الآخر هو: لماذا كتبنا التاريخ وترجمة المناسبة في الشعار باللغة الإنكليزية، والجواب هو المبرر السابق ذاته، أي لاستخدام الشعار في المنصات الدولية. ليس من حقنا منع أي أحد من إبداء رأيه في أي شيء، لكني كنت أود أن ننشغل بروح الاحتفالية عن…