جمال بن حويرب المهيري
جمال بن حويرب المهيري
كاتب و باحث إماراتي

أصلحوا ما بين عماد الدين أديب وباسم يوسف!

آراء

البرامج الغربية الساخرة (الكوميدية) من عادتها أنّها تضحك كلّ أحدٍ حتى المحزون والثكلى، لأنّها تكون متقنةً بشكلٍ لا يسع أيّ إنسان إلا أن يضحك، من شدة طرافتها وظرف مؤدّيها الذي لم يأتِ صُدفةً ولم يدخل هذا المجال إلا بعد تعَبٍ ودُربةٍ واجتهاد، فهو يحمل روح الفكاهة لأنه “خفيف دم” من تكوينه، وزاد عليها التجربة والخبرة حتى استطاع أن يكوّن شهرةً مكّنته من الظهور أمام الجمهور بأسلوبٍ فريدٍ وعجيبٍ يُبهر كلّ من يشاهده ويستمع إليه.

سألت صديقي الممثل الكوميدي الكبير سمير غانم مرّةً؛ هل تحفظ النصوص التي تؤدّيها في المسلسلات والأفلام والمسرحيّات؟ فقال: “لا أحفظ النصوص وإنّما أرتجل الكلام حسب الموقف، ولهذا يقع ارتباك كثير للذين يؤدّون المشاهد معي، وهناك مرات كثيرة يتوقّف التصوير لكثرة ضحكهم، وهذا لا أتكلّفه وإنّما هو من شخصيتي”. قلتُ: كلّما ألتقي سمير غانم لا أستطيع أن أتوقّف عن الضحك.

وقد شهدت مسرحيةً له كان الجمهور يضحك طيلة الوقت وهو يرتجل الكلام في كل المشاهد، ومن يحضر نفس المسرحية مرّة أخرى سيستمع إلى نصوص جديدة من “سمّورة”، وهذا ما يُسمّى بـ”كوميديا الوقوف الارتجالية” Stand-up comedy ، وقد بدأ هذا الفن الساخر خلال القرن الثامن عشر في صالات الموسيقى البريطانية، ثم انتشر في القرن التاسع عشر واشتهرت شخصيات كبيرة فيه.

وقد تطور الأمر في الغرب حتى خصصت القنوات لهذا الفن الكوميدي برامج تلفزيونية أغلبها في نقد السياسة والشخصيات العامة، وقد كان نصيب العرب منها ضعيفا إلا أنّ قناة “أون تي في” المصرية قامت بتقليد برنامج أميركي ساخر، وكان الطبيب الجراح “باسم يوسف” هو نجم هذا البرنامج.

الطبيب باسم يوسف تخرّج من جامعة القاهرة كلية الطب سنة 1998، وتخصص في جراحة القلب وعمل في أوروبا لمدة سنتين ونصف، ثم أخذ رخصة مزاولة المهنة من أميركا سنة 2005 وزمالة الجرّاحين البريطانيين في 2006 ويدرّس منذ فترة في كلية الطب.

ومن محاسن الصدف أنه عندما بدأت الثورة المصرية بدأ في بثّ برنامج سمّاه “باسم شو”، من خلال موقع يوتيوب ولاقى ترحيبا من الجماهير المصرية الثائرة حتى بلغت مشاهدات حلقاته 15 مليون مشاهدة، فكان من حسن حظه أن دعته قناة “أون تي في” ليقدم برنامجه الساخر “البرنامج” في أواخر 2011، ثم انتقل ببرنامجه نفسه في نوفمبر إلى قناة “سي بي سي” المصرية التي يقدّم فيها الإعلامي عماد الدين أديب ولميس الحديدي وغيرهما، ولكنّه في أولى حلقاته فاجأ المشاهدين بسخريته من زملائه مقدمي البرامج الأخرى، حتى من صاحب القناة نفسه، وقد نال عماد الدين نصيب الأسد من هذه السخرية!.

خرج عماد الدين عن صمته في برنامجه “بهدوء” وهاجم باسم يوسف بعنف، ونعته بأن عمره الإعلامي قصير جدا إذا ما قيس بخبرته و”لميس”، حيث قدّم عماد الدين أكثر من 17 ألف حلقة في حين أن باسم لم يتجاوز المائة حلقة، وقد هدده برفع شكوى ضده لدى المحكمة إذا استمر في سخريته على زملائه.

 وكانت ردة فعل باسم غريبة نوعاً ما، فقد زاد في سخريته أكثر من كلامه الأول عنه، وقد ضحكتُ في حلقة الرد على أديب أكثر من حلقته الأولى، وهذا يجرّنا إلى سؤال هل يستطيع العربي خاصة الإعلامي والسياسي أن يتحمّل كل هذه السخرية عليه؟ الجواب: لا، ولا أي عاقل في الدنيا.

لقد رأيت الموضوع كلّه؛ من أول سخرية “باسم” إلى نقد عماد الدين أديب العنيف، من باب الدعاية الكبيرة لبرنامج “البرنامج” الذي يقدمه “باسم يوسف”، وكأنه أمر متفق عليه في القناة لجذب المشاهدين لـ”باسم يوسف”، والذي أظنه نجح في الإعلام الساخر أكثر من مهنته الأصلية “الطب”، مما يدلك على أنّ العربيَّ يصلح في كل مكان إذا وجد فرصة سانحة، فهل توافقونني هذا الرأي؟ وهذا السؤال مجرد دعابة أيها الأعزاء.

 المصدر: البيان