أوطان من جحيم

آراء

في أشد البلاد العربية ديكتاتورية كانت كلمات “الديموقراطية” و”حكم الشعب” وما لف حولهما الأكثر ترديداً في خطابها السياسي. خذ القذافي مثالاً: كذب على الليبيين والعالم أربعين سنة وهو يردد “الديموقراطية” و”ثورة الشعب” ثم بدّل علم الدولة وغير اسمها مراراً وزاد عليه حتى صار أطول اسم “جمهورية” معاصرة. وأكثر من يزعم محاربة إسرائيل والوقوف أمام نزعتها الاستيطانية لم يسترد شبراً من الأراضي المحتلة ولم يطلق رصاصة واحدة ضد إسرائيل.

قيادات تزعم الشرعية وقد جاءت للحكم على ظهر دبابة أو بمؤامرة. “جمهوريات” اختزلت الدولة كلها في العشيرة والمقربين. وأذاقت الناس كل أشكال الإهانة والألم. في هكذا مناخ، كيف لا يتفاقم الغضب حتى يصل إلى لحظة الانفجار؟ ما أكثرهم من تمنوا الإصلاح وفضلوه على الفوضى العارمة التي يشهدها الشارع العربي في أكثر من عاصمة.

مخطئ من يضحي بالأمن – حتى في حدوده الدنيا – مقابل مشروع سياسي غير معروف الملامح. لكن حينما تفقد الناس الحدود الدنيا من كل شيء، فما الذي يبقى رادعاً لها أمام أي دعوة للمغامرة أو المجازفة. حينما يكون عند الناس مصالح حقيقية مستفيدين منها فمن الطبيعي أن يبذلوا كل الجهد للدفاع عنها. وإن لم يكن للمرء ما يخسره فماذا يضيره لو “تطربقت” الدنيا في وطنه “فوق تحت”؟

العالم العربي تحول، بسبب تراكم الإحباطات، إلى بيئة طاردة لكل شيء حتى الأمل في غد أفضل. وحينما هُمش الجميع – في بعض بلدان الربيع العربي – و فقد الإنسان كرامته وقيمته وأمله في أي مستقبل، ماذا بقي أمامه سوى أن يثأر لنفسه حتى وإن بإحراقها أمام الملأ؟

نشرت هذه المادة في صحيفة الشرق المطبوعة العدد رقم (٣٢٤) صفحة (٢٤) بتاريخ (٢٣-١٠-٢٠١٢)