محمد الحمادي
محمد الحمادي
رئيس تحرير صحيفة الرؤية

الإمارات ومصر أكبر من العريان وجماعته

آراء

بدل أن يتقدم الرئيس المصري باعتذار لشعب الإمارات وحكومتها على التصريحات اللا مسؤولة التي أدلى بها نائب رئيس «حزب الحرية والعدالة» عصام العريان، خرج علينا رئيس وزراء مصر بالأمس طالباً من الإمارات أن تتجاوز «أي خلاف شكلي» وأن لا تعول على تصريحات العريان لأنها «غير رسمية». ويبدو أن رئيس الوزراء يعتقد أن أحداً لا يعرف أن كلام العريان قيل في اجتماع رسمي خلال جلسة إحدى اللجان في مجلس الشورى، ويبدو أنه يعتقد أن أحداً لا يعرف أن العريان هو زعيم الأغلبية في مجلس الشورى وأنه نائب رئيس «حزب الحرية والعدالة»، فضلا عن أنه عضو قيادي في تنظيم «الإخوان المسلمين» في مصر، وهو الحزب الحاكم.

إذا كان رئيس الوزراء المبجل يعتقد أننا لا نعرف كل ذلك وأكثر، فإننا نؤكد له أن هذه الأمور معروفة لدى الجميع لذا فإن الاعتذار كان منه أولى من الاستخفاف بما قاله العريان، خصوصاً أنه هذه المرة تجاوز كل الخطوط والأعراف السياسية والأخلاقية فقام بتحريض الإيرانيين على غزو الإمارات وهدد شعب الإمارات بأن الفرس سيجعلونهم عبيداً عندهم! فإذا كان هذا الكلام يستحق التجاهل وعدم الرد كما طالب رئيس الوزراء المصري فذلك يعني أننا أمام أزمات أكبر وهذا يعني أن ما يحدث ليس خطأ عارضاً في لحظة حماس عابرة ولا موقفاً شخصياً من رجل يبدي رأيه الخاص وإنما هو موقف دولة وتوجه حكومة من أجل تحقيق أهداف قد لا نعرفها، لكن نشعر بدناءتها. وموقف رئيس الوزراء المصري الذي يدافع عن عصام العريان يجعله مطالباً بأن يقول للجميع لمن يتبع العريان بعد أن تبرأ منه الكتاتني رئيس «حزب الحرية والعدالة» وبعد أن تبرأ منه رئيس الوزراء… فمن يتحمل الخطأ الذي ارتكبه في حق مصر وفي حق الإمارات وفي حق شعبيهما؟
إن الإساءة التي قام بها العريان كبيرة جداً وليس لها ما يبررها. فقد انطلق العريان في هجومه من نقطة مطالبته وزارة الخارجية المصرية إنهاء مشكلة المتهمين المصريين الموقوفين على ذمة قضية جنائية في الإمارات، واتخذ من هذا الموضوع ذريعة للتهجم على الإمارات. والعريان ورئيسه وجماعته كلهم يعرفون أن هؤلاء جميعاً بين يدي القانون في الإمارات ولن يتم الإفراج عنهم بهذه الأساليب اللامسؤولة، فالإمارات دولة قانون والطريق الوحيد للإفراج عنهم هو تبرئتهم قضائياً من التهم الموجهة إليهم… وبعد ذلك أما أن يعودوا إلى بلادهم معززين مكرمين أو يحصلوا على جزائهم بسبب عدم احترامهم قوانين الدولة والقيام بأفعال تجرمهم.

المفاجأة في هذه الأزمة أنه خلال تهجم العريان على شعب الإمارات وحكومتها، قامت النيابة العامة بإحالة ثلاثين متهماً مصرياً وإماراتياً إلى المحكمة الاتحادية العليا لقيام بعضهم بإنشاء وتأسيس وإدارة فرع في الإمارات لتنظيم ذي صفة دولية هو التنظيم الدولي للإخوان المسلمين في مصر، بغير ترخيص من الجهة المختصة في الدولة. ومن المعروف أن القيام بأنشطة محظورة ضد قانون الإمارات يعاقب عليه القانون ويأخذ من تثبت إدانته جزاءه، أياً كان ولأي جماعة كان انتماؤه، وليس في القانون استثناء ولا في الحكم مجاملات. وحسب تصريحات المحامي العام لنيابة أمن الدولة فإن التحقيقات التي أجرتها النيابة العامة في القضية رقم 13 لسنة 2013 جزاء أمن الدولة بينت أن المتهمين، ولتسيير أعمال هذا الفرع وتحقيق أغراضه، شكلوا هيكلاً إدارياً تضمن بنيانه ما يكفل استقطاب أعضاء جدد للتنظيم والمحافظة على كيانه وأفراده داخل الدولة وتحقيق استمرار ولائهم للتنظيم الرئيسي ولدعمه مالياً، فجمعوا تبرعات وزكوات واشتراكات بغير ترخيص من الجهة المختصة في الدولة.

وأوضحت التحقيقات أن المتهمين حصلوا على دعم مالي من التنظيم السري الذي سعى للاستيلاء على الحكم في الدولة والسابق ضبط ومحاكمة أعضائه في قضية «التنظيم السري»، ولتحقيق الحفاظ على ارتباط فرع التنظيم بالتنظيم الأم شكلوا ضمن هيكل فرع التنظيم لجنة إعلامية تقوم على جمع الأخبار لاسيما عن بلد التنظيم الرئيس وطباعتها وتوزيعها على لجان فرعية شكلوها من بينهم لتثقيف الأسر التنظيمية وإمدادها بالأخبار، ويشرف عليها ما أسموه المكتب الإداري العام. وهذه قضية يجب أن يعرف «الإخوان» كيف يحصلوا فيها على البراءة بـ«القانون» وليس بأساليب العريان.

إن محاولات الجماعة الحاكمة في مصر تخريب العلاقة بين الشعب الإماراتي والشعب المصري باتت واضحة. لكن الملفت أنه رغم كثرة وتكرار تلك المحاولات في الفترة الأخيرة إلا أن الشعبين يدركان ما تحيكه الجماعة فيفشلان مخططاتها بل على العكس فإن علاقة الشعبين تكون أقوى فيما بينهما والجماعة تخسر أكثر فأكثر.

ما يريد أن يؤكد عليه شعب الإمارات والرسالة التي يرسلها في مثل هذه الأوقات إلى الشعب المصري الشقيق أن محاولات «الإخوان» تخريب العلاقة بين البلدين والشعبين مكشوفة ومفضوحة ولن يكتب لها إلا الفشل… فهذه العلاقة التي بنيت على أساس قوي من الاحترام والتقدير والمصالح المشتركة لن تستطيع «جماعة» عابرة أن تخرّبها… بل أن مثل هذه المحن تزيد من قوة العلاقة بين البلدين وتكشف المغرضين وأصحاب المصالح الذين ينقلبون بمجرد عدم حصولهم على مصلحتهم. وربما يذكر المصريون كما نذكر جميعاً علاقة الشيخ زايد رحمه الله بمصر وما كان يقوله عن مصر وله عبارة خالدة قالها وما يزال يؤمن بها كل إماراتي وهي: «إن مصر بالنسبة للعرب في القلب وإذا توقف القلب فلن تكتب للعرب الحياة»… فمصر الشرفاء نعرفها جيداً وسنقف إلى جانبها أبداً. أما من يحاول اختطاف مصر في غفلة من الزمن فإن محاولته إلى فشل.

المصدر: صحيفة الاتحاد