محمد خميس
محمد خميس
محمد خميس روائي صدر له من أمريكا رواية لفئة المراهقين بعنوان "مملكة سكابا" ، وله باللغة العربية مسرحية أدبية بعنوان "موعد مع الشمس"

البطل المقنع

آراء

رفض عالم النفس ” كارل يونج” تمييز فرويد بين الأنا والانا الاعلى في تقسيم النفس، فخرج بجزء من الشخصية مشابه للأنا الأعلى وسماه ” القناع”، حيث ان القناع هو ما يظهره الفرد للاخرين على عكس حقيقة ما هو عليه، هي تلك الشخصية العامة التى يظهرها الشخص للعالم، أو الدور الإجتماعي الذي يفرضه عليه المجتمع في مقابل شخصيته الحقيقية.

ونجد الفرد يحاول قدر المستطاع ان يوفق بين شخصيته الحقيقية ومقتضيات الدور الإجتماعي، وتنشأ الإضطرابات النفسية في الحالات التى لا يستطيع فيها الفرد التوفيق بين من يكون حقاً وبين قناعه الذي يلبسه.

والأقنعة بطبيعة الحال كثيرة، منها الإجتماعية، والسياسية، والرياضية، والزوجية، ..إلخ، وفي كل الأحوال من لا يستطيع خلع قناعه هم المرضى النفسيين، الذين لا يجدون ذاتهم في الواقع المعاش، فيشعرون بعدم التوافق مع من حولهم، ويلجأوون لإبقاء الأقنعة لأطول مدة ممكنة.

في أواخر الثلاثينات وبالتحديد في 1938 صدرت في أمريكا اول قصة مصورة لبطل خارق”سوبر مان” ولئن لم يكن سوبر مان مقنعاً، إلا انه يختبيء وراء نظرات طبية كبيرة عندما يعيش حياة عادية، ومعظم القصص التى صدرت بعد سوبرمان لأبطال خارقين كان أبطالها مقنعين يخفون عن العالم هويتهم الحقيقية، رغم انهم يحاربون الشر، وهم الطيبون.

السؤال هنا، ما أهمية القناع للأبطال؟ أم لغيرهم، لماذا لا يظهر الجميع بوجوههم الحقيقية، ألأنهم يدركون انهم من السوء والشر لدرجة رفض الجميع لهم، فيلجأوون للأقنعة لتحسين صورهم، أم ان القناع مجرد مقدمة منمقة لجعل الأخرين يتقبلونهم، يدخلون على المجتمع بصورة الأبطال المقنعين، فنتقبلهم ويعيشون دور الأبطال الخارقين بيننا، يحاربون الشر ويقفون مع الحق، وفي الحقيقة هم ليسوا سوى أعداء يجيدون لبس الأقنعة.

أم ان الأقنعة تمنحهم مساحة أكبر للتحرك، فبها يستطعون ان يصبحوا أبطالاً متى شاؤا و أشرار متى قرروا، فكما يستخدم الأبطال الخارقين الأقنعة لتحقيق العدل، يستخدمه المجرمون للسطو على البنوك، او لإيذاء الأخرين، للأقنعة القدرة على التلون، لا تطولها قوانين الحقوق الفكرية، أو العقوبات الجنائية، وفي نفس الوقت لا تُكرم، فهي مجهولة، في خيرها وشرها.

البطولة لا تكون وراء الأقنعة، البطولة الحقيقية هي في المواجهة، العالم يتوق لمعرفة أبطاله، والبطولة تكمن في البطل الذي يتقدم الجميع في إنقاذ غيره، بمقدور اي فرد ان يصبح بطلاً، كل ما علينا فعله هو الإخلاص في أعمالنا وفي تربية أبناءنا تربية صالحة، وفي الوفاء لبعضنا البعض، وفي الإخلاص لأوطاننا، البطولة هي في تحمل المسؤولية الملقاة على أعتاقنا، وعلى الوقوف مع الحق في المواقف التى نواجهها.

ان تقابل شخصاً أقوى منك بدنياً، فهذا لا يعني انك ضعيف، او انه بطل، البطل بينكما هو من سيقوم بوجباته وليس من سيصرع الأخر.
أتفهم أولئك الذين تضطرهم الظروف الى التخفي وراء الأقنعة لبعض الوقت، لحساسية مراكزهم الإجتماعية، وهؤلاء معظمهم ان لم يكونوا جميعهم يتواجدون بيننا كمراقبين لفهمنا عن قرب، فهم لديهم من القوة في حياتهم الواقعية بعيداً عن الأقنعة ان يغيروا ما يرغبون بتغيره.

بيد اني اتوجس خيفة من اولئك البارانويين من ” الشخصية البارانوية” التى لا يثق صاحبها بأحد ويتوقع الإيذاء من كل الناس، ويكافح طول حياته ليقوى ذاته ويحمى نفسه من الآخرين، ومن أولئك ذوات الشخصية المعادية للمجتمع، أصحاب الأجندات، الذين لا يحترمون القيم والقوانين، ولا يشعرون بالذنب تجاه اي أمر، ويعيشون على استغلال الأخرين، هاتان الفئتان بالذات لا تنفجر شجاعتها ويعلوا صوتها، إلا من وراء الأقنعة، ضعفهم وقلة حيلهم، جعلهم يتخيلون ان بإمكانهم تغيير العالم من وراء أقنعتهم، بدس الدسائس، وخلق الفتن، حلمهم بتغيير العالم وجعله يعمل لصالحهم، وطمعهم في ما لدى الأخرين يدفعهم لإعلاء صوتهم من وراء الأقنعة، لذلك نرى ان رأيهم السطحي يأخذ منحنى اخر، منحنى جارح وتشهيري، فالقناع يحميه.

خاص لـ ( الهتلان بوست )