د. حنيف حسن
د. حنيف حسن
رئيس مركز جنيف لحقوق الإنسان والحوار العالمي منذ العام 2014، وزير سابق، وأكاديمي، وكان مديراً لجامعة زايد.

الحروب في وطن السلام والمبادرات

آراء

كان – بلا شك – حدثاً استثنائياً بحضور استثنائي ومشاركة استثنائية في وطن تعودنا أن كل ما يقدمه متميز واستثنائي. كان صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، في مقدمة الحضور، في احتفال مهيب، واحتفاء كبير بالمعلم ورسالته السامية، أما المحتفى بها، فكانت الأستاذة حنان الحروب، فهي تلك المبدعة الفلسطينية القادمة من مخيم للاجئين الفلسطينيين، نشأت فيه بالقرب من مدينة بيت لحم. وفي بيئة بالغة الصعوبة، حافلة بالمعوقات.

استطاعت حنان الحروب أن تحول حياتها إلى قصة ملهمة، فيها مزيج من الكفاح والتحدي وانتهت إلى الإنجاز والإبداع، فقد طورت نظاماً تعليمياً عن طريق اللعب لمساعدة الأطفال الذين يعانون من اضطرابات نفسية نتيجة للاحتلال.

لا يخفى على أحد مدى خطورة الأوضاع الإنسانية التي يمر بها إخواننا الفلسطينيون، والظروف البائسة التي تلف مختلف جوانب حياتهم، في هذه الظروف كان نجاح حنان في تطوير نظام تعليمي تم تعميمه وتطبيقه في مختلف المدارس الحكومية بعد ذلك.

هكذا كان استحقاقها للتكريم، وكانت أقوى المرشحين للحصول على الجائزة العالمية للمعلمين، والتي تبلغ قيمتها مليون دولار أميركي، لتحصل على الجائزة، من بين 8000 معلم ومعلمة من 148 دولة. وأوصت لجنة التقييم في تقريرها بمنحها الجائزة لتعلن حنان بعد حصولها عليها أنها ستنفق قيمتها على دعم الطلبة، هكذا يظل المعلم وتظل رسالته سعادته الأولى والباقية.

تكمن أهمية الحدث كذلك في أن هذه المبادرة التي تحققت على أرض الإمارات، هذه الدولة التي جعلت التعليم أولوية قصوى وأولت المعلم جل اهتمامها ورعايتها. سواء تعلق الأمر بمكانته الاجتماعية، أو تأهيله مهنياً، أو دعمه مادياً.

أذكر في هذا السياق، أنه خلال مهمتي في وزارة التربية والتعليم وفي عام 2008، أطلق صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، أكبر برنامج تدريبي شهدته الدولة في تاريخها، مستهدفاً في مراحله كلها أكثر من عشرة آلاف معلم ومعلمة. بل وحرص سموه شخصياً على حضور إطلاق ذلك البرنامج، وفي ذلك دلالة كبرى على ما يوليه للعنصر البشري وبخاصة المعلمين من رعاية أكيدة.

إنه الإنسان قبل المصنع وقبل المكان، كما كان يقول الشيخ زايد، طيب الله ثراه. يندرج في هذا السياق تشجيعاً للمعلم واهتماماً بالعملية التعليمية ككل، العديد من الجوائز التربوية التي تستهدف تكريم المعلم ومنحه المكانة اللائقة به. فكان إنشاء جائزة خليفة التربوية، وجائزة حمدان بن راشد آل مكتوم للأداء التعليمي المتميز، وجائزة الشارقة للتفوق والتميز التربوي وغيرها.

ولا شك أن تكريم الأستاذة حنان الحروب، قد أتى في سياق ثقافة التميز والإبداع التي تسعى الدولة للريادة فيها، والرائع كذلك أنه تحقق نتيجة شراكة مع مجتمع رجال الأعمال.

وتم إطلاق هذه الجائزة العالمية من خلال الأخ الصديق صني فاركي الذي أخبرني بأنه لولا دعم قيادتنا وإيمان صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، برسالة المعلم ودوره التربوي، لما تحقق هذا المشروع التعليمي الإنساني الرائد.

وهو المعنى الذي أكده البابا فرانسيس من خلال كلمته في المناسبة ذاتها، بأن المدرسين هم بناة الوحدة والسلام، ولعل الإنسانية جمعاء أحوج ما تكون في هذه المرحلة لتعزيز قيم الإخاء والتعايش والسلام التي تبدأ من المعلم والمتعلم وما بينهما مناهج التعليم في آن واحد.

المصدر: صحيفة البيان