تمكين العلماء

آراء

لا يزال المحتوى الديني مؤثراً وفاعلاً في الحياة الإنسانية، وسيظل دائماً جذراً للثقافة والتشريع والسلوك البشري، ما يضاعف من المسؤوليات والتحديات على العلماء والمفكرين المشتغلين في إنقاذ الأديان والمعتقدات من الغلو والتطرف والانغلاق، وردّها إلى جوهرها الروحي الواحد، والتقدم نحو المتغيرات والتطورات المعاصرة بحلول واقعية، لئلا يتقدم إلى هذه المهمة المتطرفون، ودعاة الجمود.

الإمارات تستضيف سنوياً تظاهرات فكرية عدة، لتعظيم الجوامع المشتركة بين أتباع الديانات السماوية، وهي إذ رسخت أكثر من مفهوم يحاصر محاولات اختطاف الدين من سماحته واعتداله ووسطيته، وقبوله البشر أجمعين، فقد أتاحت للعلماء والباحثين تمكيناً في مسعاهم، لبناء حوار عقلاني، ولا أدلّ على ذلك من أن دولتنا باتت فعلاً وجهة فكرية بارزة في الإقليم والعالم، لصياغة أكثر من منظور جديد، لعالم أكثر تصالحاً وسلاماً، وأقل عزلة واحتراباً.

قبل أيام، شاركت الإمارات العالم الاحتفال باليوم العالمي للتسامح، وفِي بلادنا، فإن هذه المفردة ليست شعاراً سياسياً أو ثقافياً، بقدر ما هي ممارسة فعلية، ترتبط بنهج دولة حديثة، تؤمن بقيمها الدينية والإنسانية، مثلما تتصل بسياسات وعمل ثقافي مركز، فالتعليم في الإمارات يُعلي من شأن التسامح أساساً للتواصل الحضاري بين البشر، ودستورنا وتشريعاتنا وثقافتنا ترفض التمييز بين الناس، تبعاً للدين والمعتقد.

لدينا وزارة للتسامح، وهي أبعد من مجرد ذراع حكومية لمأسسة رؤية الدولة في هذا السياق، فهي تشكل في الفهم الإماراتي منظومة قيمية، تنصهر فيها مفاهيم ومواقف واضحة، ترفض الفوقية والاستعلاء، وتنبذ ثقافة الموت والإرهاب. منظومة لا تُقصي، بقدر ما تُقرّب. ولا ترى وسيلة للتفاهم بين معتنقي الأديان سوى بالحوار، والبحث عن الأصيل والمشترك والروحي، وهي ذاتها رسالة أجدادنا الذين اكتشفوا عمق القوة والثراء في دينهم الحنيف، فكان أن استقبلوا الرحّالة القادمين من أقاصي الأرض، لاكتشاف الأمكنة والثقافات، قبل أن يرث الأحفاد بلاداً، تفتح أبوابها للتنوع، دون شكوك، وللآخر، بود وترحاب.

اليوم، يلتقي في أبوظبي 450 عالماً ومفكراً من مختلف دول العالم، في إطار ملتقى «تحالف الأديان لأمن المجتمعات كرامة الطفل في العالم الرقمي»، وكلنا يعرف مدى التعبئة الذهنية التي انهمك فيها التطرّف في تنشئة الأجيال، وغسل أدمغتهم، بما لا يمتّ إلى الدين بأية صلة، وواصل هذا الدور الضار في العصر التكنولوجي، منتهزاً الصلة الوثيقة بين النشء، والعالم الرقمي، فكرامة الطفل تقتضي حمايته من الإساءة والعنف، ومن الأفكار الشريرة، التي تخالف الدين وأصول التربية السليمة.

الإمارات بذلك، لا تفوت فرصة للاستفادة من مكامن الطاقة الإيجابية في الأديان، التي تحض على السلام والتقارب، ودرء مفاسد الضلال المبين.

المصدر: الاتحاد