حمود أبو طالب
حمود أبو طالب
كاتب سعودي

حساب غسيل الذمة

آراء

عندما اكتشفت السيدة إليزابيث ويب العاملة في مدرسة ثانوية بمدينة سياتل أن محتويات سيارتها قد نهبت ووجدت فيها هاتفا جوالا يعود للسارق قررت أن تسلك مسارا مختلفا لا يؤدي إلى الاستعانة بالشرطة والقضاء، فقد اتصلت بالشاب البالغ من العمر 19 عاما وأبلغته ووالديه بأنها لن تتسبب في عقابه إذا وافق على رد المسروقات والاعتراف بما سرقه من سيارات الحي ثم الاعتذار لأصحابها، وفعلا اقتنع الشاب وذهب معها برفقة شريكه إلى المنازل للاعتذار عن سرقة محتويات 13 سيارة وإعادتها لأصحابها، وبذلك عادت المسروقات وسلم الشاب من العقوبة وارتاح ضميره وقامت السيدة إليزابيث بما تعتقده صحيحا في التعامل مع شاب مراهق ربما تجرفه العقوبة إلى التهور وإدمان السرقة.

وفيما لو أردنا مقاربة ما قامت به السيدة إليزابيث من واقع ثقافتنا المحلية، فإنها أرادت للشاب أن يقوم بـ«إبراء ذمة» بإعادته للمسروقات، ثم الحصول على «العفو» بعد الاعتذار للمتضررين، بمعنى أنها ربطت إبراء الذمة بالاعتذار وشرط الحصول على العفو الاختياري وبمحض إرادة أصحاب الحق. وأصدقكم القول إنه بعد قراءتي تلك القصة في إحدى الصحف لا أدري كيف قفزت إلى ذهني فجأة محاولة المقارنة بين إبراء ذمتهم وإبراء ذمتنا، وإذا أردتموها «على بلاطة» بين ذمتهم وحساب إبراء الذمة لدينا، وهل نحتاج إلى إعادة النظر في هذا الاختراع العجيب

من ناحيتي، أحترم أي رأي يختلف معي، أرى في الكيفية التي يعمل بها الحساب، بل في فكرته من أساسها، نوعا من التعليل وبعض الراحة النفسية للصوص وناهبي المال العام، وربما تشجيعا غير مباشر للمترددين في الإقدام على السرقة، فإذا سنحت فرصة يجب اغتنامها، وبعد أن ينمو المال ويتكاثر ويصبح الريال ألفا، فما المانع من إعادة الريال المسروق إلى حساب إبراء الذمة والإبقاء على الـ (999) ريالا التي جناها صاحبها من الريال؟ إنها حسبة سهلة ومريحة للضمير وأيضا مأمونة ومضمونة؛ لأنه ليس مطلوبا من الحرامي الذي يريد إبراء ذمته الكشف عن اسمه أو رقم حسابه البنكي أو أي شيء من معلوماته الشخصية.

حبذا لو طبقنا أسلوب السيدة إليزابيث في عمل حساب إبراء الذمة، فالواجب إذا أراد اللص أن يحصل على براءة لذمته أن يعترف أولا بجريمته ومقدار ما سرقه ثم يعتذر لمن سرقهم. فكرت في ذلك، لكني تراجعت في اللحظة الأخيرة حين تبين لي أننا لو طبقنا طريقتها فلن نعرف من كثرتهم من سيعتذر لمن ومن سيعذر من.

المصدر: صحيفة عكاظ