مريم راشد
مريم راشد
كاتبة و إعلامية إماراتية

خارجٌ من مارج

آراء

في ظل الثورات التي طالت عدداً من الدول العربية وأسفرت عن نتائج اختلفت في مخرجاتها ومدلولاتها والأهداف التي تقف ورائها فإن ما كان سبباً فيها كلها على الأقل ( ظاهرياً ) هي السياسة الإجتماعية التي كانت تُتّبع في تلك الدول والتي لم تأتِ موافقة تماما ً لرغبة وإرادة الشعب.

هذه السياسة التي هي مسئولة عن تلبية متطلبات الأفراد والنظر في حاجاتهم وتقديم الرعاية الاجتماعية اللازمة لهم والتي يعني تأمينها توفير حياة كريمة مُرضِية، وما غاب عن أذهان بعض الرؤساء الذين أسقط الشعب أنظمتهم أنه من حق الفرد أن يكون طرفاً في عملية وضع هذه السياسة التي كانت سبباً في ازياد نسبة الفقر والبطالة والمشكلات الاجتماعية الأخرى في بلدانهم.

لكن أن يكون الفرد مساهماً في وضع السياسة الإجتماعية لا يعني أن يكون الأمر عشوائياً فجاً وغوغائياً، ولا أن يتم عبر التخطيط المبطّن والتحزّب والإنضمام إلى جماعات سرية تتآمر على بلدانها وحكوماتها خاصة إن كانت الأخيرة غدت نموذجاً يُضرب به المثل في الإعتناء بالإنسان قبل المكان.

نعم إن من كامل حق الفرد أن يساهم في وضع السياسة الإجتماعية حين يكون الهدف تحسين المستوى المعيشي مثلاً عبر طرح أفكار ورؤى واضحة وقابلة للتطبيق فهذا طموح حضاري يمس شأن المجتمع ويدر بالفائدة عليه؛ ولكن لا بد أن يكون ذلك ضمن ضوابط تضعها الحكومات وتعتمدها وتصادق عليها فهناك منابر مخصصة لهذا الغرض وادارات ووزارات وجهات معنية وممثلين يتولون الإحاطة بالمسائل التي تتعلق بالبت في قضايا تهم المواطن وتشغله وتعنيه، فالدول المتحضرة غالباً ما تضع في الاعتبار ما يأمله الأفراد فهذا أحد أسباب ضمان الولاء والانتماء، ودولة الإمارات هي من الدول التي راعت عند وضعها للسياسة الاجتماعية ببرامجها ونظمها واتجاهاتها حقوق الإنسان وعلى أساسه صاغت الرؤى واضحة الأهداف والغايات.

وقد يغيب عن الأذهان مسألة هامة قد تؤثر على تمرد الفرد وسوء قدرته على تقدير المتسبب الفعلي في الضائقة الإجتماعية التي يمر بها فقد تؤدي بعض الأخطاء الإدارية والتعسف والعنف الوظيفي في أماكن العمل إلى إغضاب أفراد من المجتمع وانتقال عدم رضاهم إلى خارج تنظيم العمل خاصة إن ازداد عددهم في بيئة عمل واحدة أو مجال وظيفي بعينه مما يجعلهم يضمرون الحنقة على رؤسائهم وقد يعجزون عن استراد حقوقهم المهدورة حيث يعملون ويضلون الطريق ويصل بهم الأمر إلى الإنضمام إلى جماعات وفِرق يديرها أشخاص يبحثون عن منافذ كهذه لاصطياد فرائسهم لتجد عندهم أرضية خصبة لزرع أفكارهم وبث سمومهم وغسل أدمغتهم، فبعض المنجرين أغْرَتْهم الوعود الوردية الوهمية فوقعوا في فخٍ نُصِب لأهداف تتجاوز حدود أفقهم الضيق والذي كان وقتها ربما يدور في فلك الوظيفة وملحقاتها أو تجاوزات اداراتها وتصورهم بصعوبة محاكمته رغم علمنا بأن لا أحد فوق القانون في مجتمعنا لكننا كثيراً ما نسمع أن فلان كمدير مدعوم ولديه الحصانة ما يمنع كشف ممارسته الإضطهادية على الموظفين، إذاً هؤلاء أو بعضاً منهم غُرِّر بهم حتى تَشرّبوا ما أُمْلي عليهم وباتوا جزءاً من تلك الأجندة السوداء التي تضمر الشر والعداء. ومن الخارجين على ولاة الأمر من هو حاقدٌ معادٍ ومن هو تابعٌ أعمى أو مطيعٌ مأمور ويثق تماماً بالمرشد أو بالموجهين سواء الأحياء منهم أو الأموات لأن شخصيته قابلة للتبعية وقد يصعب مع هؤلاء حتى تقويمهم لأن محاولة ضبطهم سيترتب عليها تمردهم لغياب الرشد والعقلانية، وإن أمام القائمين على عملية تطويق السيء مما تُخطط له هذه الجماعات تحدٍ كبير في استخدام أساليب متباينة ومفاتيح مختلفة معهم وهذا يتطلب حكمة وخبرة وتمرس قبل المعرفة العلمية الخالصة ولوائح القوانين المحددة، وإنّ جعل الأطراف المساهمة في تقديم الحلول والبدائل ضمن حدود المجتمع نفسه هو خيارٌ أول ولا شك أن الاستعانة بمستشارين وخبراء من الخارج ومن الدول التي قطعت شوطاً طويلاً في التعامل مع قضايا مماثلة قد يبدو منطقياً خاصة إن كان مقننا وممنهجاً ومدروساً مع اتخاذ تدابير التحوط والحرص اللازمة في كل الأحوال.

وبالعودة إلى السياسة الإجتماعية ودورها في كل ذلك فإن تجربة من خرجوا وانشقوا واختاروا العقوق والعصيان وضعت هذه السياسة موضع القراءة والتقييم وكانت النتيجة التأكيد الكلي على نجاح دولة الإمارات في تطبيق أصول الرعاية الإجتماعية ومبادئها والحرص على رفاهية الشعب ومصالحه ورضاه، وعلاقة الحكومة بأبنائها هي علاقة مبنية على الإحترام المتبادل ويحكُمْها ما هو أبعد من مجرد أبجديات العلاقة التي يجب أن تكون بين الحاكم ومحكومه إلى المحبة والتقدير والإمتنان والوقوف قلباً وقالباً ضد أي مهدد لأمن ووحدة واستقرار الدولة، فكل شيء إلاّ الوطن، والتجربة برمتها هي لإعادة النظر في مفاهيم الإنتماء والولاء والتربية الوطنية، ولنا أن نقول: “رب ضارة نافعة ” وأن ما حدث كان سبيلاً جيداً لدفع الضرر والسيطرة على قنابل كانت موقوتة وقد أجارنا الله منها.

وما نعرفه بأن المحن تفرز للدول الأصدقاء ممن هم غير ذلك وتحمل في طياتها مِنحاً ستكون هي ورقتها الرابحة في طريق تحقيق النجاحات القادمة.

خاص لـ ( الهتلان بوست )