حمود أبو طالب
حمود أبو طالب
كاتب سعودي

لو أننا فعلناها مرة واحدة

آراء

أشارت هيئة مكافحة الفساد «نزاهة» إلى صدور تعليمات مشددة لكل الوزارات والهيئات ومؤسسات الدولة بضرورة تمكينها من ممارسة عملها والإطلاع على المعلومات التي تريدها، بعد شكواها من عدم تجاوب كثير من الجهات معها، وأشارت أيضا إلى أن تلك الجهات تتساهل كثيرا في تطبيق الأنظمة الجزائية على المخالفات والتجاوزات، مما يوسع دائرة الفساد ويشجع ضعفاء النفوس على ممارسته دون خوف أو تردد، فهل ستكون تلك التعليمات كفيلة بالحد من الفساد أو كافية لإجبار الجهات المتهاونة على التعاون مع الهيئة؟

الحقيقة أن المسألة معقدة جدا؛ لأنها نتيجة تراكمات مزمنة وإرث كبير من ثقافة متجذرة في معظم أجهزتنا لن تستطيع هيئة مكافحة الفساد وحدها أن تجتثها أو حتى تفكك خيوطها المتشابكة. لقد عجزت أجهزة عتيدة قبلها كهيئة الرقابة والتحقيق وديوان المراقبة العامة وأجهزة المتابعة والتدقيق الإداري والمالي، عجزت عن مواجهة ممارسات الفساد وتخفيف وطأتها الخانقة لتطلعات المواطنين في رؤية أداء أفضل ومشاريع أكمل ومنجزات تليق بالأموال الهائلة التي ترصد لها. ولأننا على مدى زمن طويل نتعامل مع قضايا الفساد الواضحة المؤكدة بطريقة عفا الله عما سلف والستر مطلوب، فإن لا أحد سوف يخاف أو يرتدع، وهذا أحد الأسباب التي لا تجعل أحدا أو جهة تعبأ بهيئة الفساد أو بالتعليمات؛ لأنهم في النهاية يتكئون على حقيقة أن لا شيء سيطالهم، وفي أسوأ الأحوال مغادرة الموقع والخروج بالغنيمة بصمت وهدوء.

لو أننا فككنا شبكة واحدة من شبكات الفساد وأعلنا أسماء أعضائها من الكبير إلى الصغير وطبقنا بحقهم نظاما عقابيا صارما، لما احتجنا من الأساس إلى هيئة مكافحة الفساد التي تجدف في بحر متلاطم تملأه أسماك القرش المفترسة. لو أن المسؤول الذي تراوده نزعة الفساد رأى عبرة في مسؤول آخر لخاف وجبن عن إكمال مشروعه. لكن المشكلة أن لدينا الكثير مما يشجع ويحرض الفاسدين على ممارسة فسادهم بصلف وثقة واطمئنان.

المصدر: عكاظ