ما عرفتني؟

آراء

يرن هاتفك برقم لا تعرفه.. تجيب وأنت في زحمة العمل.. يأتيك صوت غريب يسأل إن كنت فلانا فتجيب: نعم.
فيعود لتكرار مقدمات طويلة من مثل كيف الحال، وشو الأخبار، ويا الله كم أنت قطوع.

يأتي دورك في السؤال: من معي؟ فيجيبك بسؤال آخر: معقولة.. ما عرفتني؟
فتجيب بلغة قاطعة أنك لم تعرف المتصل وتكرر السؤال: من معي؟، فيأتي الجواب: يا رجل.. حاول تعرف من أنا،
تبلغه أنك مشغول أو على وشك الدخول لاجتماع، فيرد عليك: الله يا الزمن، صرنا مشغولين ونتكبر على الناس!،

تسأل للمرة العاشرة: من معي؟، فيمتحنك: حاول تتذكر! ولا تصل معه لأي نتيجة.
الفاضي يعمل قاضي كما يقال. ما الحل إذن؟
صديقي مازن العليوي يقفل الهاتف في وجه المتصل الذي يبادره بالسؤال: ما عرفتني؟،
أما أنا فصرت بعد الدقيقة الأولى من اللت والعجن في: ما عرفتني أنهي الاتصال وسامح الله من أعطى رقمي لهذا المتصل الغثيث.

ما الفائدة من امتحان ذاكرتي؛ لمعرفة إن كانت محتفظة بصوت المتصل الذي ربما لم أره منذ سنوات، أو ربما قابلته في حياتي مرة واحدة؟

ولماذا نضيع وقتنا ووقت غيرنا في هذه المزحة الثقيلة؟، وإذا كان هذا النوع من «الغثيثين» لا تعنيه قيمة الوقت،
بل ربما لا يعرف للوقت قيمة، فما ذنب مستقبل اتصاله -في الطرف الآخر- وهو يحاول بكل ما أوتي من صبر وأدب أن يتجاوز المزحة الثقيلة ويدخل مباشرة في الموضوع؟

إن ما هو مقبول عندك ليس بالضرورة أن يكون مقبولاً عند غيرك.
وإن كان وقتك بلا قيمة فلماذا تفترض أن كل من حولك لا يعرف للوقت قيمة، ومستعد أن يتحمل «ثقل دمك» وأنت تلح وتلت وتعجن في السؤال: ما عرفتني؟

نشرت هذه المادة في صحيفة الشرق المطبوعة العدد رقم (٩٠) صفحة (٣٦) بتاريخ (٠٣-٠٣-٢٠١٢)