أحمد الحناكي
أحمد الحناكي
كاتب في صحيفة الحياة اللندنية

ما هكذا تورد الإبل أيها المفكر!

آراء

ما ذكره الدكتور خالص جلبي في ثنايا سعادته الغامرة بالعيش في المغرب الشقيقة جدير بالتأمل، ويطرح تساؤلاً جاداً سبق أن دارت مناظرات حوله كثيراً، وهو أنه ليس من الضروري أن تكون إنساناً رائعاً بمجرد أنك كاتب متميز أو مفكر كما يصفون خالص.

لم أكن أقرأ لجلبي من قبل، ليس استهانة أو اي شيء آخر، ولكن ما كان يكتبه آنذاك لا يستهويني، غير أنني لا أنكر أن له شعبية لدى كثير من قراء جريدة الرياض آنذاك.

يقول جلبي بمعرض إعرابه عن سعادته؛ انه نادم على فترة أمضاها (30 عاما) عند قوم ليس عندهم إلا فيض من المال، بل وأردف أنهم خالفوا الفطرة السليمة، أنا أتفق مع الرجل أن هناك أناسا كذلك، ولكن ما ذكره ينطبق على كل شعب وليس فقط السعوديين. نعم، ربما كان السعوديون بالمتوسط أكثر ثراء من دول كثيرة في العالم، ولكنهم ليسوا الأكثر ثراء قاطبة، وقد يكون هناك أناس منهم يرى نفسه أفضل من الآخرين، ولكن كثيرين يظنون كذلك من دول وشعوب أخرى.

كان باستطاعة جلبي، وهو سعيد مع زوجته الثانية في المغرب، أن يكيل أطناناً من المديح للمغرب والمغاربة من دون الإساءة لشعب قضى بينهم 30 عاماً واكتسب صداقة وإعجاب الكثيرين، وللأسى لم يستثنهم عندما أصدر قراره الصارم.

عشت في بريطانيا نحو 10 أعوام وأكره السياسة الخارجية لبريطانيا وغيرها من الدول الغربية، لكنني لا يمكن أن أنسى بعض الجوانب الإنسانية هناك في معاملة المقيمين من العرب أو غير العرب والضمان الاجتماعي وخلافه، وأتذكر أنه عندما تلعب إنكلترا مباراة ضد فريق آخر غير عربي أتعاطف مع المنتخب، ليس حباً لسياستها طبعاً، ولكن هناك ما يجمعني بهم، سواء في عملي أم جامعة زوجتي أم مدارس أطفالي أم مع جيراني، المفارقة أن هناك زملاء عربا يحملون الجنسية الإنكليزية ويشجعون أي فريق آخر يلعب أمام منتخب إنكلترا، وتبريرهم أنه كرها للسياسة الخارجية، بينما أرى أن هناك اختلافا بين السياسة الخارجية والشعوب لأي دولة كانت.

وسؤال للمفكر خالص جلبي؛ يا ترى ما هو الفارق بينك وبين بعض الساسة أو الكتّاب في أوروبا الذين يتنافسون في الانتخابات على إبراز كرههم للمغاربة أو الجزائريين، ممن يوجودون في تلك الدول متهمينهم بصفات لا تليق؟

التعميم في الأحكام أمر غير منطقي، وإن كان مطلقه مفكرا فهو أمر لا يليق، وإذا كان الدكتور جلبي مر بتجربة شخصية أو حتى بتجارب هناك وعانى منها فيجب ألا ينسى أن هذا يحدث في كل مكان وليس في السعودية، ولن أتحدث عن أن السعوديين ملائكة، بل هم كغيرهم، هناك الصالح والطالح، على أنني مندهش فعلا كيف يطيق المرء أن يعيش 30 عاماً في بلد لا يحب فيه شعبه؟

لن أصف جلبي مثل بعض الكتاب الذين غضبوا وأخذتهم «العزة بالإثم»، فهم بذلك أصبحوا مثله، ولكنني أكرر أن التصريحات لا تعبر عن سلوك حضاري أو مشاعر إنسانية، وفي الوقت نفسه يجب ألا تؤثر مثل هذه الانتقادات أو لنسميها افتراءات على ثقتنا بأنفسنا من جهة أو من جهة أخرى تمنعنا من الحرص على تعديل الجانب السلبي إن وجد، وهو موجود قطعا.

لا أرى في الأخير إلا أنها سقطة، بل وسقطة كبيرة من خالص جلبي، أتمنى أن يعود لما قاله لعله يعتذر فهو بذلك يهين شعبا كاملا، والاعتذار يحسب له، لكن عدمه لن يضيرنا.

المصدر: الحياة