حسن بن سالم
حسن بن سالم
كاتب و باحث سعودي

مجلس الشورى السعوي .. رؤية من الداخل!

آراء

“مجلس الشورى السعودي قائم تماماً, بدورية التشريعي والرقابي على اداء الحكومة وهو صانع للرأي” بهذه الكلمات كان هو تعليق ورد عضو مجلس الشورى ورئيس لجنة حقوق الإنسان بالمجلس الدكتور مشعل العلي والذي نشرته صحيفة الحياة الاسبوع الفائت على الانتقادات التي وجهتها الجمعية الوطنية لحقوق الانسان في تقريرها السنوي اللتي اشارت فيه الى استمرار المجلس بمهامه التشريعية والرقابية المحدودة من خلال دراسة الانظمة التي تحال اليه من السلطة التفيذية غالبا , وأن دوره الرقابي يقتصر على المراجعة الروتينية لتقارير الاجهزة الحكومية , ومرجعة ذلك الضعف الى محدودية صلاحياته المخولة له بموجب النظام وآلية التشكيل المتمثلة في التعيين, واما في الجانب التشريعي فيبرز ضعف الشفافية في مناقشة المشاريع والانظمة الجديدة او المعدلة , فأي مواطن يجد صعوبة في ابداء رأيه حول تلك الانظمة  مما يستدعي نشر واعلان مسوداتها للرأي العام , بل ان الدكتور العلي اعتبر ان مسؤوليات وانجازات المجلس ارفع من ان تقومها جمعية حقوقية , مبررا ذلك بمنطق غريب وعجيب وهو ان المجلس لايمارس عملا خارج قبة البرلمان , فكيف لجمعية ان تنتقد من دون الاطلاع على اعماله ! ولكل منا ان يعجب من هذا التصريح , فكما هو معلوم فان من أهم أدوار مؤسسات المجتمع المدني في معظم الدول هو متابعة اداء المجالس البرلمانية من اعضاء ولجان وهيئات ومتابعة التشريعات الصادرة واصدار التقارير حول ذلك, ولكن الدكتور العلي صدق في قوله ان ما يجري تحت ما اسماه بقبة البرلمان قد لا تعلم تفاصيله الجمعية فضلا عن معرفة الرأي العام والمواطن الذي لا يعرف مما يدور ومايناقش في ارقة المجلس ومايصدر من تشريعات وقوانين الا ما قد تفاجئه به وتنشره الصحف وتحت هذا العنوان : اليوم يحسم الشورى قرار…!

انني لست معنيا في هذه المقالة بالحديث والتنظير حول مفهوم السلطة التشريعية المتمثلة في البرلمان او مجلس الشعب والحديث حول حدود مهامها وصلاحياتها باعتبارها الممثل لسلطة الشعب كما هو الواقع في معظم الدساتير الحديثة , فحديثي سيكون حول واقع مجلس الشورى لدينا ومدى تحقيقه للدور المناط عليه في جانبه التشريعي والرقابي , لقد اعتدنا ان نسمع لمطالب الاصلاحيين وجدل المثقفين حول الواقع المأمول والمطلوب من المجلس ان يقوم به , ولكننا اليوم سنقترب اكثر لنتطرق ونتعرف الى خلاصة شهادات وتجارب وآراء لشخصيات عملت لمدى 12عاما تحت مايسمى بقبة البرلمان ! لنعرف ومن خلال تجاربهم وليس من خلال تصريحات جمعية حقوق الانسان او مطالبات الاصلاحيين مدى حدود صلاحيات المجلس التشريعية والرقابية, فقد صدر في العام الماضي 2011  الطبعة الثانية من كتاب “مجلس الشورى قراءة في تجربة تحديثه ” بتحرير عضو مجلس الشورى السابق الدكتور عبدالرحمن الشبيلي حيث وثق الكتاب تجارب ثمانية من الاعضاء الذين امضوا الدورات الثلاث الاولى, أوضحوا فيه جوانب التميز والقصور في مسيرة المجلس , معبرين عن وجهات نظرهم حول سبل تطويره وتعزيز صلاحياته , ولن اتطرق في هذا المقال الى ذكر وتعداد المنجازات التي حققها المجلس من وجهة نظرهم , ولكني سأتناول آرائهم وتوصياتهم حول مايتعلق بالجانب التشريعي والدور الرقابي للمجلس بإيجاز , فقد اشارت الدراسة ص (26) ان عددا من المشاركين فيها ومن خلال الدورات السابقة شددوا على ضرورة اعادة صياغة النظام الاساسي على وجه يؤكد بأن مجلس الشورى هو السلطة التشريعية في البلاد وان ينحصر الدور التنفيذي في مجلس الوزراء بشكل واضح وكما هو معمول به في معظم دساتير الدول , وأنه منذ الدورة الاولى للمجلس ظهرت حالات من التداخل والالتفاف صارت تزداد عاما بعد عام حتى كادت تفرغ مهمة المجلس من مضامينه الحقيقية له , وقد رأى بعض المشاركين ص (44) أن مجلس الشورى حتى يقوم بدوره ووظيفته كما في سائر البرلمانات والمجالس الشورية الحديثة فيجب ان تتوفر فيه اربعة أمور هي: اولا: سلطة الرقابة السابقة واللاحقة على اداء الحكومة وعلى ميزانية الدولة . ثانيا: الالتزام بما يصدر عنه من قرارات وتشريعات وعدم تجميدها أو الانتقاء منها . ثالثا: حماية المجلس من الالتفات حول قراراته او اصدار أنظمة لايتم تمريرها عبر مجلس الشورى . رابعا: العمل بخيار الانتخاب والتوصل الى صيغة توافية في هذا الشأن بين الانتخاب والتعيين .

ولذلك فإن عدد من المشاركين في الدراسة ص(41) اوضحوا بأنهم لايخفون فهمهم بأن المجلس لايملك إلا ابداء الرأي وأن الممارسة الشورية وفقا للنظام الاساسي للحكم اخذت بمفهوم الاعلام لا الالزام . وفي هذا الشأن قال الدكتور فالح الفالح العضو السابق في المجلس ص (209) : لقد اثبتت التجربة خلال 12 عاما قضيتها في المجلس ان تعامل مجلس الوزراء ودوائر صنع القرار ربما لاتنظر بذلك الوزن الكبير لقرارات المجلس , والدليل على هذا ان كثيرا من الانظمة والتوصيات ترسل مرة اخرى لهيئة الخبراء , وهي تقوم بدعوة ممثلي الوزارة ذات العلاقة بالنظام المذكور لمراجعة ما أقره المجلس , ومع احترامي لأي موظف في الوزارة فمن غير اللائق أن تتم المراجعة للانظمة والقرارات التي تصدر من المجلس” ولذلك رأى عدد من المشاركين ان مجلس الشورى اذا اردنا ان يقوم بالوظيفة المناطة عليه فلابد من اعادة صياغة نظامه على وجه يحقق الشروط السابقة وأما اذا اريد للمجلس ان يستمر في ممارسته ووظيفته الحالية كمشارك او مساند لمجلس الوزراء ودون اعتبار لماسبق فحينها لابد من احداث مجلس مواز آخر  يحقق الاهداف المذكورة .

أما ما يتعلق بالدور الرقابي فإن النافذة الوحيدة التي يطل المجلس منها على واقع اداء المؤسسات الحكومية هي من خلال التقارير السنوية التي يقوم بدراستها وتقديم التوجيهات لمعالجة اوجه قصور تلك الجهات الحكومية , وهذه التقارير السنوية التي يقوم المجلس بدراستها كما يقول الدكتور زياد السديري العضو السابق في المجلس ص(136) “بأنها تقارير هي من اعداد الاجهزة ذاتها ووفق منظورها لا من اعداد المجلس او اعداد جهات رقابية مستقلة تخضع لسلطة المجلس, ونتيجة لذلك فان توجيهات وقرارات المجلس بشأنها لاتنتهي عادة الى نتائج مفيدة , فالتوصيات التي يقدمها المجلس انما هي على تقارير تجنح بها الاجهزة الحكومية للاعلام عن منجزاتها , واحالة اوجه القصور الى اسباب خارجة عن ارادتها ومثل هذه التوصيات لايمكن ان تكون ذات معنى , ولذلك فإما أن يكون للمجلس صلاحيات تمكنه من القيام بالدور الرقابي,  أو ينظر في هذا الاختصاص بمايسمح المجلس بتوجيه جل وقته لمناقشة ماهو أنفع ” بالاضافة الى ان هذه الوظيفة الروتينية في المجلس لا تشمل كافة الاجهزة الحكومية في المساءلة والمحاسبة.

 واختم بما قاله الدكتور فالح الفالح ص(213) انه كان يسأل من كثير من الناس ماذا قدم المجلس للمواطن ؟ وهو سؤال مهم ومشروع لكل مواطن , ولكن السائل لايعرف ماذا اعطي المجلس من صلاحيات حتى يشارك في حل مشكلة المواطن! ولذلك أقول ان المجلس سيظل وسيبقى دون تطلعات المواطنين طالما انه لايتمتع بالصلاحيات اللائقة بالسلطة التشريعية في البلاد.

المصدر: الحياة