مسلسل عمر والإسلام الجديد!

آراء

من ضمن ما يُحسب لمسلسل «عمر» التليفزيوني تلك الإضاءات السريعة على الوجه الحضاري والإنساني المغيّب لديننا وتاريخنا. اقرأ هذه الأيام تعليقات على المسلسل وستجد في كثيرها إعجاباً بسماحة الدين في تعامل الصحابة الكرام مع المرأة ومع غير المسلمين في الجزيرة العربية وفي المناطق التي وصلها الفتح الإسلامي.

ففي المشهد الذي يعاتب فيه الخليفة عمر بن الخطاب –رضي الله عنه– نفسه حينما أشار للنصرانية التي طلبت منه عوناً بأن تدخل الإسلام، ثم خشي الخليفة عمر أن يكون قد استغل حاجتها لدعوتها للإسلام مما قد يدخل في باب «الإكراه» في الدين وهو محرم، ما يعطي الدروس العظيمة في عظمة الإسلام وتسامحه.

لماذا غُيبت هذه القصة عن تاريخنا الذي درسناه في المدارس والجامعات؟ وماذا عن قصة الصحابية الشفاء بنت عبدالله التي أوكل لها الخليفة عمر إدارة السوق ومراقبته؟ وماذا عن تعامل المسلمين الفاتحين مع نصارى الشام في حصار المسلمين لدمشق وانضمام عرب الشام، وهم على دين الروم، للقتال في صفوف المسلمين ضد الروم؟

بالتأكيد أن مسلسلاً تليفزيونياً مهما كلف إنتاجه لا يستطيع أن يكشف عن كل الوجوه الإنسانية العظيمة في تاريخ المسلمين أيام الرسول العظيم (صلى الله عليه وسلم) ومن تبعه من الصحابة الكرام. ولكن يبقى السؤال: من غيب هذا التراث العظيم من قصص حقيقية في التعامل الإنساني والحضاري مع المرأة في المجتمع المسلم ومع أهل الكتاب خصوصاً من المنتمين للمسيحية؟ مع الأسف الشديد، يوجد بيننا من يحتكم في القضايا الخلافية دينياً إلى ما قبل أربعين أو خمسين سنة، وكأنما الإسلام بدأ مع بعض الدعاة والمجتهدين قبل أربعة عقود.

كيف نترك المصدر التاريخي الموثق والصريح ونلجأ للمجتهد الحديث؟ فعلاً.. في تاريخنا الإسلامي الحقيقي من القصص والعبر ما يمكن أن يساعدنا في التعامل الواثق مع ظروف اليوم وتحدياته. فهل نحرر تاريخنا ونعيد قراءته من مصادره الأولى وليس من محتكري تفسيره وتفصيله حسب المصالح السياسية والمنافع الشخصية؟

 نشرت هذه المادة في صحيفة الشرق المطبوعة العدد رقم (٢٥٥) صفحة (٢٨) بتاريخ (١٥-٠٨-٢٠١٢)