هاني الظاهري
هاني الظاهري
كاتب ومستشار إعلامي.. مؤسس مجموعة تسويق الشرق الأوسط للاستثمار.. رئيس مركز الإعلام والتطوير للدراسات

مهرجانات «التكسير» في السعودية

آراء

تسبب تقرير تلفزيوني بثته قناة «العربية» عن تنامي ظاهرة صعود مجموعات من المتشددين على مسارح احتفالات المهرجانات السياحية في السعودية لتكسير الآلات الموسيقية أمام الحضور وعدسات المصورين، في صدمة لكثير من السعوديين الذين لم يعتادوا على حضور تلك المهرجانات أو معرفة ما يدور فيها. بعضهم اعتبر مشاهد التكبير والتكسير «مشاهد حرب» مشابهة بشكل أو آخر للمشاهد التي تبثها كتائب تنظيم داعش في سورية على شبكة الإنترنت. الفرق الوحيد أن جماعات التكسير المحلية وبحكم الانضباط الأمني في البلاد ليس بإمكانها أن تمارس التكسير على رؤوس الناس فاكتفت بضرب آلات العود بكل قوة بالأرض لتتطاير قطعاً مهشمة مثيرةً فزع الأطفال الذين قُدّر لهم أن يكونوا في تلك الأماكن مع أسرهم بحثاً عن الترفيه فوجدوا أنفسهم داخل معركة مثيرة ليس لهم فيها ناقة ولا جمل.

قبل أكثر من ربع قرن كان كثير من السعوديين الذين تلقوا تعليمهم الأساسي في المدارس الأهلية يحضرون حصصاً لتعلم العزف على الآلات الموسيقية داخل مدارسهم ضمن إطار الأنشطة اللاصفية التي كانت مهمتها تنمية الحس الفني لدى الطلاب، وهذا بالطبع أمر من الصعب أن يصدقه أو يتصوره من لم يعيشوا تلك المرحلة، ولولا أنني كنت ممن تلقوا في طفولتهم تلك الدروس لشككت في صحة ذلك، فالعداء العنيف للفن الذي شاع لاحقاً نتيجة لغزو الفكر الإخواني المسمى بـ«الصحوي» طمس كل ما قبله من مظاهر مدنية وحضارية تميز بها المجتمع السعودي المتسامح المحب للحياة قبل أن يقسمه أعداء الحياة إلى فريقين، يعيش كل منهما في عالم مختلف، اضطرت معه الأسر السعودية المتحضرة إلى الهرب مع بداية كل إجازة للدول المجاورة لعيش حياة طبيعية لا ينغِّصها عليهم هواة التكسير ومشيعي ثقافة العنف والموت.

الواقع يقول إنه كلما زاد اهتمام أي مجتمع على وجه هذا الكوكب بالفنون ارتفع حضارياً بين شعوب العالم، وأصبح أكثر محبة للحياة والخير والسلام، وهي مسألة تقوده حتماً إلى عيش حياة مدنية تسير نحو التقدم في العلوم وصناعة المستقبل، على العكس تماماً من المجتمعات التي تحارب كل مظاهر الفن والجمال، فهي تتجه لا إرادياً نحو ثقافة العنف والكراهية والتخلف حضارياً عن ركب الأمم الأخرى، وليت الأمر يتوقف عند ذلك بل يمتد إلى أن تفرز هذه المجتمعات نتيجة لشيوع ثقافة الموت فيها أخطر ما يهدد البشرية «الإرهاب» الذي تمتد أصابعه لتدمر كل شيء، أي أن المجتمع يبدأ في تدمير نفسه بنفسه، وهذا ما حدث في أفغانستان والسودان وسورية وليبيا والعراق، فلا يمكن لثقافة الحياة أن تجاور ثقافة الموت في مجتمع واحد من دون أن تطمس إحداهما على الأخرى في نهاية المطاف.

من المؤسف حقاً أننا نحن العرب وفق معايير الحضارة والمدنية نعيش بأجسادنا في عام 2014، بينما نعايش واقعياً حملات وممارسات تحاول قذفنا 5 قرون إلى الخلف، ومع ذلك لا نملك سوى مشاهدة تقارير إعلامية تتحدث عن ظاهرة غير حضارية هنا وهناك، ونعلن عن صدمتنا وتأثرنا بها، ثم ننتظر الأسوأ، وفي أفضل الأحوال نحمل حقائبنا ونذهب للسياحة في الخارج لنعود أكثر صلابة واستعداداً لتلقي الصدمات الجديدة، داعين الله أن يكتب لنا الأجر على ذلك.

المصدر: الحياة