حمود أبو طالب
حمود أبو طالب
كاتب سعودي

يا ويله يا سواد ليله

آراء

اندهش الحضور في اجتماع إدارة التربية والتعليم بمنطقة حائل عندما أصر الوزير الياباني المفوض ياسوناري مورنيو على توزيع أوراق الاجتماع بنفسه، رافضا أن ينوب عنه أي شخص آخر. ولكي يزيل الوزير دهشتهم الكبيرة وجد نفسه مضطرا أن يقول لهم: ما أقوم به شيء بسيط جدا وطبيعي، طالما نحن نجتمع اليوم لمصلحة الجميع وليس لمصالح فردية..

هذا الخبر نشرته عكاظ يوم أمس دون توضيح لموضوع الاجتماع وسبب وجود الوزير الياباني في حائل، وكم سيكون رائعا لو تم عقد اتفاقية مع الحكومة اليابانية أو السفارة لإرسال مسؤولين من مختلف المستويات والتخصصات إلى كل مناطق المملكة ــ بعد أن ينتهوا من الوزارات ــ للمشاركة في اجتماعات المسؤولين القياديين بموظفيهم لتعم الدهشة كل أرجاء الوطن، ويتعلم مسؤولونا المعنى الحقيقي للوظيفة العامة وأدبياتها وأخلاقها وكيفية ممارستها..

أتفهم جيدا دهشة منسوبي إدارة تعليم حائل، لأنهم وغيرهم في كل منطقة لم يعهدوا مثل هذا النوع من التصرف والتعامل من رؤسائهم المباشرين فكيف من مسؤول بمرتبة وزير. مدير أي إدارة لدينا عادة ما يكون آخر شخص يدخل قاعة الاجتماع، إذا لم يقرر عدم الحضور في آخر لحظة وينيب غيره لإدارة الاجتماع دون أن يدري النائب شيئا عن موضوعه والغرض من عقده. وإذا حضر فإن الاجتماع غالبا ما يكون بلا أجندة أو ورقة عمل. كلام عشوائي من هنا وهناك ينتهي بإقرار ما يراه سعادة المسؤول والتصفيق لتفضله بالحضور والإنعام عليهم بآرائه وأفكاره العظيمة.

أما إذا انتقلنا إلى مستوى الوزراء فيا ليل يا عين.. الوزارة كلها تدخل حالة استنفار لاجتماع الوزير. وكلاء الوزارة ومديرو العموم وسكرتارية الوزير وأفراد العلاقات العامة وإدارة الإعلام وقسم البروتوكول وصباب القهوة الخاص، كلهم يرابطون قبل ساعات من تشريف الوزير ليتأكدوا أن كل صغيرة وكبيرة على مزاجه وبالطريقة التي يفضلها. الملف الجلدي أو المخملي الأنيق يكون أمام كرسيه الخاص قبل وصوله، وإذا اقتضى الاجتماع توزيع أوراق إضافية فإنها تقدم له بانحناءة من أحدهم قد تصيبه بانزلاق غضروفي، ويا ويل وسواد ليل من لا يراقب حركات ونظرات وهمسات الوزير ويفهم المقصود بها وينفذها فورا.

معذورون إخواننا في حائل إذا اندهشوا من تصرف الوزير الياباني، لكنهم لو علموا أن الوزراء وكبار المسؤولين في اليابان بالذات ينتحرون إذا أخفقوا في مسؤولياتهم لتأكد لهم أن ما قام به الوزير المفوض أمر عادي جدا في ثقافة المسؤولية في بلده.

المصدر: عكاظ