كاتب سعودي
كانت المرأة السعودية حديث الركبان وعنوان الصحف وموضوع الفضائيات العربية والأعجمية يوم الثلاثاء، بعد أن تحقق لها فتح تأريخي مبين، لم يخرج من معامل الأبحاث أو مختبرات التجارب العلمية، وإنما من مقرر اللغة الإنجليزية لوزارة التربية والتعليم الذي احتوى بضع صور لفتيات في عدد محدود من المواضيع. والحقيقة أنني لست متأكدا، بل أشك في أن تلك الصور تخص فتيات سعوديات، وأغلب الظن أنها على طريقة تلفزيوننا وبعض الفضائيات الموجهة للجمهور السعودي، حين تبث إعلانا لسلعة ما تقدمه فتاة تلبس العباءة والطرحة وتجتهد في تقليد اللهجة السعودية، بينما هي من دولة عربية أخرى، وأحيانا من دولة لا علاقة لها بالعرب والعروبة، مجرد تحريك شفتيها مع صوت آخر يجعلها بنتنا ومنا وفينا..
كل وسائل الإعلام التي اهتمت بالخبر بدأته بعبارة: لأول مرة في تأريخ التعليم في السعودية… ثم تدلف إلى التفاصيل، وبمشاهدة نماذج الصور لا نجد فيها غير أشباح وأجزاء من ملامح نساء لا تزيد عن عيون تتراءى من فتحتين في نقاب كأنهما حفرتين والباقي سواد في سواد، وبعض الصور اجتهد مسؤولو الوزارة في طمس ما ظنوه عورة فيها، رغم أن كل جزء فيها مطموس أساسا. وقد وضعت تلك الصور ضمن مواضيع تتحدث عن المرأة بلغة في غاية التحفظ لا نستطيع أن نفهم منها شيئا..
وعلى أية حال، نهنئ مجتمعنا بهذا التحول التأريخي، ونقول لفتياتنا إنها البداية، فبعد أكثر من نصف قرن تجاوزت وزارة التربية والتعليم تابوها خطيرا ووضعت جزءا من صورة نسائية في أحد مقرراتها، ونوصيكن بعدم الاستعجال، فالمسألة لا تحتاج أكثر من نصف قرن آخر لتكتمل الصورة، وربما نصف قرن بعده لتظهر خالية من تشويه أقلام الطمس. ولعل هذا التحول يكون بداية لتأسيس مجتمع سعودي طبيعي ينهي الازدواجية والانفصام الذي نعيشه ولا يوجد شبيهه في أي مجتمع آخر، عالم رجالي وعالم نسائي في مجتمع واحد، جامعات رجالية وجامعات نسائية، أسواق رجالية وأسواق نسائية، صالات رجالية وصالات نسائية، ولولا التعقل لأصبحت لدينا شوارع نسائية ومستشفيات نسائية وطائرات نسائية وهواء مخصص للنساء، وربما مقابر خاصة بالنساء حرصا على نقل المرأة إلى الآخرة وهي «جوهرة مصونة» كما كانت في الدنيا..
المهم أن تصمد وزارة التربية والتعليم أمام الحملة التي من المؤكد أنها ستبدأ سريعا ضدها تحت شعار: أفا يا ذا العلم.. صورة حرمة؟؟
المصدر: عكاظ