ما أن تقرأ مقالا لكاتب أمريكي مثل “توماس فريدمان” و ترى أهمية أن يقرأه من يتابعك على تويتر أو في مواقع أخرى حتى يأتيك من يعترض: و ما هو الجديد الذي سيقدمه “فريدمان” و هو الكاره للعرب؟ أو يأتيك تعليق آخر: أنت تروّج للفكر الأمريكي في المنطقة.
قلت لأحدهم إن كنت تعتقد أن “فريدمان” عدوك و لا يريد خيراً للعرب، أليس من الأجدى أن تقرأ ما يكتبه عنك و هو من أهم الأصوات المؤثرة في صناعة الرأي العام الأمريكي؟ و إن كنت لا تريد أن تقرأ ما يكتبه عن منطقتك كُتّاب مؤثرون في مجتمعاتهم ولهم أهميتهم في صناعة القرار في بلدانهم فلماذا تعمم موقفك على الآخرين؟ أنت حر في قرارك و لكن ليس من حقك أن تحرم الآخرين من قراءة ما يرون فيه فائدة أو أهمية.
بعضنا يظن أن “القطيعة” المطلقة مع “الآخر” الذي نختلف معه في الفكر أو في الرأي أو في المصالح ستفتح لنا أبواب الانتصار. ذلك هو الجهل بعينه. بل إن في ذلك الموقف هزيمة. كيف تريد أن تنتصر و أنت لا تقرأ غير ما يجاري فكرك و يتواءم مع رأيك؟ نحن في غالبنا من نتاج ثقافة متأصلة فيها روح الإقصاء. و كلنا – و بدرجات متفاوتة – نمارس الإقصاء بطريقة أو بأخرى. لكنها مصيبة أن يسعى بعضنا لفرض جهله على الآخرين. و لن أستغرب لو جاء من يُخوّن كلَّ من يتعلّم اللغات الأجنبية لأنها لغات “الأعداء”!
أعرف مثففاً خليجياً يتهمه بعض من حوله بالعمالة لإيران لأنه من القلائل الذين درسوا إيران من داخلها. و أعرف أكاديمياً لا يستطيع التصريح بإعجابه بالثقافة الأكاديمية في أمريكا خوفاً من أن يتهم بـ”الأمركة” و هو الذي أفنى أجمل سنوات العمر في مكتبات جامعات أمريكية. و أكاد أجزم أن فينا من يقرأ سراً مقالات مهمة لكتّاب غربيين خوفاً من أن يتهم بترويج أفكار تغريبية. صدّق أو لا تصدّق: إنه زمن للجهل…. و بامتياز!