رئيس تحرير صحيفة الإمارات اليوم
لا يدرك كثير من الشباب خطورة الخطوة التي يقدمون عليها عند «تزويد» سياراتهم، فهم لا يستوعبون أن التزويد ببساطة هو بداية وضع حدٍّ للحياة، وهو خطوة سريعة نحو الموت، وبشكل متعمَّد، حدث ذلك كثيراً، وشاهده الآلاف عبر لقطات مصورة مئات المرات، وانتقل بسبب نتائجه الكارثية عشرات الشباب، وفي سن مبكرة جداً، إلى رحمة الله، رحلوا وتركوا جرحاً وألماً في قلوب أولياء أمورهم، وأصدقائهم، لكن الطامة الكبرى أن تأثير ذلك في البقية محدود جداً، حيث لم تشكل لهم الحوادث رادعاً، ولم يشكل لهم مشهد تدهور السيارات، وتطاير الجثث، وتشوُّه سائقيها ومن معهم، أي حاجز نفسي يمنعهم من الاستمرار في الطريق ذاته!
ما يحدث أمر لا يصدقه عقل.. فملفات شرطة دبي عن هذه القضية صادمة للغاية، فالشرطة تبذل جهودها لضبط السيارات، وتوعية الشباب، لكن الأمر يبدأ من المنزل والأسرة، وتحديداً من ولي الأمر المباشر، وإلا فما تفسير قيام مراهق لا يتجاوز 15 عاماً من عمره، بتزويد سيارته بمبلغ يصل إلى 150 ألف درهم، في حين لا تتجاوز قيمة السيارة 35 ألف درهم، فمن أين أتى بهذه الأموال؟! وكيف له أن يمتلك سيارة، ويقودها بسرعة جنونية بعد تزويدها، وهو لم يصل بعد إلى السنّ القانونية للحصول على رخصة قيادة؟!
من دون شك ستضبطه الشرطة يوماً ما، هذا إذا لم يُصب أو لم يُتوفَّ في حادث تدهور أثناء السباق على الشوارع البعيدة، ولكن ماذا بعد الضبط؟ هل يتم إيداعه السجن؟ بالتأكيد ليس هذا هو الحل الأمثل، ستتم مصادرة السيارة، بالتأكيد، وهذا إجراء صحيح، لكن إذا كان «العوق في البطن»، والإهمال يصل إلى أبعد حدوده عند أولياء الأمور، فإنهم دون شك سيعطونه ما يكفيه من المال لتزويد سيارة أخرى.. وفي وقت قياسي!
هذا ليس تجنياً على أحد، بل هو حقيقة صادمة حدثت فعلاً من بعض أولياء الأمور، بل إن بعضهم جاء محتداً ومعاتباً أفراد الشرطة، لأنهم تحفظوا على سيارة ابنه المزودة، التي يقودها الولد من دون رخصة قيادة، وقال لهم بالحرف الواحد: «أين المشكلة، وما الذي حدث، مجرد شاب صغير يمارس هوايته، ويقود سيارة من دون ترخيص، أين الخطأ، هو لم يضرّ أحداً، ولم يدهس أحداً»! فهل يتخيل أحدٌ أن هذه النوعية من أولياء الأمور موجودة في المجتمع؟! وكيف لنا أن نلوم الصغار إذا كان تفكير الكبار بهذا المستوى؟!
إنها قضية خطرة، وفي نهاية الأمر أرواح هؤلاء الصغار أمانة في أعناق الأسرة، قبل أن تكون أمانة في يد أفراد الشرطة، فإن لم تسعَ كل أسرة لمراقبة أبنائها، والتركيز على سلامتهم، ووضع حدّ لممارساتهم الطائشة، فلن تستطيع الشرطة حمايتهم. المسؤولية مشتركة، هذا صحيح، لكن الشق الأكبر في هذا الموضوع تحديداً هو في يد أولياء الأمور، فلولا نسبة الدلال المفرط الزائد على الحد، ولولا الأموال التي يحصل عليها الصغار، ولولا الإهمال، لما شاهدنا حوادث فظيعة بسبب سباقات التزويد، ولما شاهدنا جثثاً تتطاير، وأرواحاً تزهق، فارحموا أبناءكم، وارحموا أنفسكم، فالفراق صعب، والتسبب في إزهاق روح شاب صغير لن تفيده أنهار من دموع الندم لاحقاً!
المصدر: الإمارات اليوم