خاص لـ هات بوست :
لطالما ارتفعت أصوات المسلمين عند كل جريمة ارتكبتها داعش مستنكرة ومتبرئة، عن نفسها وعن الإسلام، ونافية وبشدة أن تنتمي من قريب أو بعيد إلى الأفكار التي تحملها سيئة الذكر، وانطبق ذلك وما زال على كل ما يتعلق بالقاعدة وشبيهاتها، ولطالما أيضاً حضرت المؤامرة بكل نظرياتها وحياكاتها لتأخذ مكان الصدارة بكونها المتهم الأول في كل ما تفعله أي جماعة متطرفة.
لكن، وبغض النظر عن وجود المؤامرات (أبعدها الله عنا) من عدمه، ورغم بشاعة الجرائم التي ارتكبت في العقدين الفائتين في مختلف دول العالم، من قبل الحركات الإسلامية المتطرفة، علينا ألا نختبىء وراء أصابعنا، ولنعترف آسفين أن كل ما جرى له أساس في أمهات كتب التراث “الإسلامي” التي ما زالت تدرس في المدارس الشرعية والجامعات الإسلامية، حيث عقوبة المرتد القتل، وتهمة الارتداد يمكن أن تلصق وفق أمور لا حصر لها، وعقوبة المثلي الإلقاء من مكان مرتفع، وعقوبة الزانية الرجم حتى الموت، وعقوبة تارك الصلاة الاستتابة أو القتل.
أما المرأة وكيفية التعامل معها، فالموضوع طويل، يختصر بأنها ناقصة عقل ودين، وهي متاع للرجل، والأسيرات إماء يباح الاستمتاع بهن كيفما شاء المسلم، ولا يكاد يمر يوم دون أن يتحفنا أحدهم بخطاب عن أفضلية الرجل ولا منطقية المساواة، فما بالكم بالمتطرفين.
وباعتبار أن التطبيق هو للشريعة “الإسلامية” لم يجد المتطرفون صعوبة في إقناع الشباب، ذكور وإناث، بالالتحاق بهم، فالفرصة أتيحت لهم للعيش في ظل “حكم الله”، وما لبث المسلمون شيئاً فشيئاً إلا أن وجدوا أنفسهم أمام اتهامات تلقى عليهم، ليس لهم يد فيها من قريب، إنما من بعيد.
والسؤال الذي نحن بصدده، أين الخلل؟ هل يمكن لرسالة إلهية أن تحمل كل هذا العنف؟ الجواب يكمن في التنزيل الحكيم، ففيه نجد الرسالة الإلهية التي يفترض أننا معنيون بها، وفيها الإنسانية والرحمة والعالمية التي تؤهلها لتكون الرسالة الخاتم، حيث {لا إكراه في الدين} والإكراه عادة بيد السلطة فقط، وبالتالي السلطة والدين لا يجتمعان، و{من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر}، وحكم الله هو الامتناع عن محرماته، أي التمسك بالقيم الأخلاقية التي يجتمع عليها معظم أهل الأرض، مؤمنين وملحدين، فلا برلمان يقبل بقتل النفس أو عقوق الوالدين أو اضطهاد اليتيم، ولم يذكر عن الرسول (ص) أنه قتل تارك صلاة أو مرتد، أو قيد حرية أهل المدينة بكل أطيافهم، فمدينته كانت مدنية بامتياز، في حين أن الرسالة التي اتبعناها على مر العصور وتصدرت أدبياتنا ومكتباتنا هي أمر مختلف تماماً، رسالة مصنوعة في القرن التاسع الميلادي، ومصاغة وفق ظروفه ومنطقه، مع اختلاطها بشرائع سابقة، احتل العنف بنودها، بدليل أن القتل بحق في المصحف هو عقوبة قصوى للقتل العمد ليس إلا، بينما في شريعة موسى القتل هو عقوبة لستة عشر بند، وربما كذلك في ما يوازيها من شريعة أئمة وفقهاء “مسلمين”، وكل من اتبعهم حتى يومنا هذا، وما فعلته داعش ومثيلاتها هو اتباع ما وجدته في كتب هؤلاء وتطبيقه.
وتكمن المفارقة في أن نجد أشد المستهجنين لنسبة الأفعال المشينة للمسلمين، هم ذاتهم المقدسون للعنعنة وأصنامها، علماً أنه طالما المنابع موجودة لتغذية الأفكار المتطرفة، سيبقى من يشرب منها أو يسقي غيره ليستخدمه أنى شاء، ونحن كمسلمين معنيون أمام الله وأمام رسولنا وأنفسنا بإزالة ما علق بديننا بلا وجه حق، وكل ما علينا هو العودة لكتاب الله لنكشف الرسالة النقية التي جاءتنا لتبقى صالحة لكل زمان ومكان، كي لا نضطر للتبرء بين يوم وآخر من أفعال هذا وذاك.
ورب معترض بأن هناك “إسلام معتدل”، نعم هو يدعي الاعتدال، لكنه بالأصح أكثر واقعية من داعش وأخواتها، يحاول مجاراة العصر إنما حلمه تطبيق “إسلام” السلف الصالح كما وصله، وما لك إلا الاطلاع على الكم الهائل من الفرح بوصول طالبان إلى كابول لدى أصحاب “الاعتدال” لتتأكد من ذلك الحلم.
ولكل المتفائلين بأخبار أفغانستان فلنأمل ألا تكونوا معنيين، فلا نسمع تنصلكم من “إسلامهم” قريباً، وللمرأة الأفغانية الصبر والسلوان، فكالعادة ستدفع المرأة الثمن مضاعفاً في أي خطب، وكما نقول بالعامية “من جرب المجرب عقله مخرب” وإن غداً لناظره قريب.