كاتب وصحفي سعودي
ماذا تعني الجولة التي قام بها ممثل خامنئي في المجلس الأعلى للأمن القومي سعيد جليلي على حلفاء إيران في المنطقة، لبنان وسورية والعراق؟ ماذا كان يقول وكيف كانت تخطط بلاده؟ هل هذا يدل على أن طهران بدأت تضيق عليها الدوائر وتتساقط الأوراق السياسية التي تلعب بها، ما يلزمها التفكير الجدي في تحريك خلاياها واستنهاض حلفائها في المنطقة لنقل المواجهة إلى البوابة الإقليمية، بغية إجبار العالم على التفاوض معها حول نفوذها وضمان «مصالحها» بشأن برنامجها النووي بعد سقوط نظام بشار الأسد؟ ماذا يعني اتهام إيران للسعودية وقطر وتركيا بشأن مسؤوليتهم عن اختطاف الايرانيين الـ 48 في سورية، ثم التراجع عن الاتهام لتلك الدول والتراجع عن نفي أن مواطنيها المخطوفين لهم علاقة بالجيش أو «الحرس الثوري» أو قوات «الباسيج»، والاعتراف لاحقاً بأن بينهم عسكريين متقاعدين من الجيش و«الحرس الثوري»؟ ماذا كان يفعل مثل هؤلاء في خضم الأحداث والمواجهات اليومية بين النظام والثوار؟ هل كانوا يصلحون الكهرباء ويوفرون الماء والغذاء؟ أم هم سياح يشاركون في قتل الأبرياء؟
ماذا تعني أيضاً دعوة إيران دولاً إسلامية لعقد اجتماع وزاري تشاوري في طهران لبحث تطورات الأزمة في سورية بعد 48 ساعة من تلقي الرئيس الإيراني أحمدي نجاد دعوة من العاهل السعودي لحضور قمة التضامن الإسلامي في مكة المكرمة؟ ولماذا فشلت تلك الدعوة ولم يحضرها إلا سفراء لا وزراء؟
ألم تظهر بوضوح ملامح تورط «حزب الله» بعد القبض على الوزير والنائب اللبناني السابق ميشال سماحة، الذي كان يخطط لتنفيذ تفجيرات في لبنان، لمناسبات إفطار في رمضان، واستهداف شخصيات سياسية في مقابل دفع أموال إلى عملاء؟ ولولا أن الشخص الذي وثق به سماحة وكلفه بالتفجيرات وسلمه المال في مقابل التنفيذ، قد هالته المشاركة في عمل دموي من هذا النوع الذي كان يتم التخطيط له، وأفشى السر لكان لبنان وطوائفه وزائروه في دوامة الاغتيالات والاتهامات مجدداً. المصادر تؤكد أن سماحة تعرّف منذ زمن إلى هذا الشخص (العميل)، وكان يلتقيه في مكتب أحد كبار المسؤولين الأمنيين السوريين، وهو ما يعني إصابة النظام السوري وحلفائه بضيق في التنفس لم تعد تفلح في علاجه المهدئات بل تتزايد عليه المنغصات!
أيضاً، الجمعة الماضية، كشفت واشنطن عن نشاطات لـ «حزب الله» في سورية ودور مركزي للحزب في أعمال العنف المتواصلة التي يقوم بها نظام الأسد بحق الشعب السوري، متهمة إياه بـ «تقديم التدريب والمشورة والدعم اللوجستي لمساعدة الحكومة السورية في قمعها للمعارضة الذي يزداد ضراوة يوماً بعد يوم»، وكذلك بتسهيل تدريب القوات الحكومية السورية على يدي «الحرس الثوري» الإيراني، وبأداء «دور أساسي» في طرد معارضين سوريين من لبنان. طبعاً الحزب لا يعمل منفرداً وإنما يتصرف كما تملي عليه طهران.
لا أعتقد أن أي مراقب سياسي سيستغرب دفاع إيران «المستميت» عن نظام الأسد وتقديم الدعم والمشورة له، خصوصاً وهي تشاهد حليفها الاستراتيجي يلفظ أنفاسه الأخيرة، لكون أن نهاية نظام الأسد تمثل سقوط المنصة الأخيرة لها في المنطقة، ما سيضعف مواقفها ويبعثر خططها، كما سيضعف دويلة «حزب الله» في لبنان، وهو ما يعني احتراق أوراقها التي ظلت خلال السنوات الأخيرة تلعب بها وتستثمرها لمصلحة أجنداتها.
لاشك في أن إيران تمرّ في الفترة الراهنة بلحظة مُرْهِقَةٍ نفسياً، بعد انحسار قوة بوابتها الكبيرة في دمشق، ما سيعرقل قدراتها وإمكاناتها على اللعب النشط في السياسة الإقليمية والمفاوضات الدولية كما كانت تفعل في السابق، وسيحرق نجاح الثورة السورية بعض أوراقها، وسيشل أدوار «حزب الله» المستلقي في عهدتها السياسية والعقدية والمنفذ لأجندتها وأيديولوجيتها.
تمر الأمة الإسلامية بمرحلة تاريخية خطرة وفترة حرجة، تتمثل في الخصام والانقسام والتشظٍّي والاستقطاب بين البلدان الإسلامية وعدم قدرتها على مواجهة التحديات، وإيران منذ تسنم أحمدي نجاد، على عكس سلفه محمد خاتمي، تعد دولة رائدة في صناعة الصراع وزيادة الاحتقان والنزاع!
أعتقد أن دعوة العاهل السعودي للرئيس الإيراني لحضور قمة التضامن الإسلامي في مكة المكرمة لن يضيف للقمة سوى المزيد من الانشقاق والانقسام، خصوصاً أن الموضوع السوري هو الملف الأول على طاولة القادة، ما سيثقل العبء على دول العالمين العربي والإسلامي.
الأكيد أن إيران، من وجهة نظري، وفق سياستها الحالية لا تستحق أن تُدعى لكونها تحمل رؤوساً مدببة ومسممة، ودولة تثير القلاقل والفتن وتصطنع المشكلات، وتعمل على زيادة التهييج والتوتر في المنطقة، وتكاد غالبية الدول العربية تشكو من تدخلاتها وممارساتها ومخططاتها، وكان من الأجدر تجاهلها، نظراً إلى سوء مواقفها وعلاقاتها، إضافة إلى دعمها السافر ومساندتها لنظام مجرم يسفك دماء الشعب السوري بلا رحمة أو إنسانية.
المصدر: صحيفة الحياة