كاتب إماراتي
أصبحت لدينا تجارة رابحة، وموضة رائجة، تلك التي تختص بصناعة «الشو» أو البهرجة الإعلامية أو فن الفُرجة أو تسويق توافه الأشياء وروادها، في الزمان السابق كانت موجودة على نطاق ضيق، وبأجر رخيص، والاعتماد على «الكومبارس» وهم ممثلون بالفطرة، لا حظ لهم، لكنهم يتقنون أدوارهم كأحسن ما يكون الإتقان في صناعة فن «الشو»، وتمجيد النجم، وإبراز أهميته في عيون البسطاء، وكان من يطلب ذلك العمل الإعلامي المبهرج في الأساس الفنانون والفنانات، خاصة النجوم، ورجال السياسة، وخاصة المترشحون لانتخابات الوجاهة، فتجد النجم والفنانة والسياسي الطامح إذا ما حضر أحدهم مناسبة استأجر فرقة تعمل له اللازم من متطلبات «الشو»؛ سيارة فاخرة سوداء مظلمة، وأربعة أشخاص يفتحون بابها، ويظلون مثل جوقة حرس الاستقبال حتى يترجل النجم أو الفنانة أو السياسي الصغير منها، بتقديم الرجل التي ترتدي حذاء لامعاً مع بنطال مكوي بعناية فائقة أو كعب مذهل بفستان مشقوق يظهر جزءاً من تلك الساق الأنثوية التي «تَلِقّ»، ثم يعتدل ويزرر معقمة الجاكيت أو تضع الشال على كتفيها باعتدال أو يرفع السياسي، الذي لم يبلغ الحلم بعد، بتشابك يديه دليل القوة والاتحاد واللُحمة الوطنية، لينتشر «كومبارس الشو» من الأمام والخلف والجانبين، واثنان يفرشان الطريق، واثنان يمنعان الاقتراب، وثلاثة من المندسين في صفوف الجماهير المحتشدة يصيحون باسمه أو بلقبها الذي عرفت به فنياً، أو بشعاره السياسي المنفوخ، ليتبعهم القطيع بعقليته مرددين بحماسة وفرح أنهم يحبون ما يعمله النجم والفنانة، يزيد عليه المترشح السياسي بأشياء حماسية قد لا تكون في وقتها؛ مثل الوطنية والشرف وحفظ الأمانة والإخلاص وحب الشعب، ورفع إشارة النصر «التشرشلي» في غير موقعها ولا أوانها.
اليوم تطور فن استئجار «الشو»، ومن كرسه أكثر الأمريكان بأدواتهم الجديدة والحديثة المستعملة في «الشو»، مثل البدل السوداء الضيقة، والسماعات الملفوفة خلف طبلة الأذن، والميكروفون الذي في كم البدلة، وحلق الشعر بالموس على الصفر مع «جل صَلّيق»، ونظارة سوداء، ورجال من ذوي الأجساد المكتنزة، والذين لا يخفون الشر، ويماري الواحد منهم بأنه مسلح ومدرب، ويجيد الالتحام بالسلاح الأبيض، ويجيد فنون القتال الدفاعية مثل رجل صاعقة. هؤلاء اليوم هم ملك من يدفع، وينشد «الشو» على حساب القيمة الحقيقية، مثل الممثل الذي لم يعرض فيلمه الفاشل بعد، الممثلة المتصابية، السياسي الذي يقف وراءه حزب متهالك، ويريد أن يتماسك، المستعرضات من «الفاشينيستات»، وهو مصطلح غير صحيح، وكاذب مثل مهن التفاهة التي يدعينها، الأصح لغوياً هن «مستعرضات» وفقط، بلا جمهور غير الجمهور الوهمي، أما حين يواجهن الواقع غير الافتراضي، ويظهرن على حقيقتهن بلا أصباغ وأقنعة و«فلاتر» فلا يبقى منهن شيء يمكن أن يحسب لهن، مثلهن مثل أولئك السياسيين غير الواعين وغير الناضجين، ولا الذين تعبوا من السياسة، وتعبوا على أنفسهم، سذج السياسة والعمل الوطني يعتقدون أنهم يمكن أن ينجحوا بتدخل المستأجرين من هَتّيفة الحزب أو المصفقين المندسين بين الجمهور أو صنّاع «الشو» الاستعراضي.
هناك تجربة ما زلت أذكرها للفنان «عبد الحليم حافظ» في أغنية «قارئة الفنجان»، والحفل المباشر، وظهور الكلمات النابية والمتبادلة مع المصفرين، والذين أرادوا أن يقلبوا الفرح الغنائي لفنان كان يتعب ليظهر بأغنية في العام، تُعد معلقة موسيقية وخالدة، هي فرقة مندسة لإفساد النجاح لصالح غرماء من الفنانين، وتجار شنطة الفن، وتلك المماحكات التي تحدث في مصر، وغير بعيدة عنها السياسة القديمة.
اليوم.. هناك استئجار لفرق صناعة «الشو» والمؤيدين للشعراء المتوهمين لا الغاوين، «شو» اللاعبين المحطمين في الملاعب، والذين يراد تسويقهم لأندية صاعدة، حتى وصل الأمر مؤخراً للأدباء المنتحلين صفة الأدب والثقافة، والذين أخذوا الأدب بالمراسلة، وبتعلمه في خمسة أيام، وبدون مُعلم، وللمتثاقفات اللائي لا يميزن بين الشَعر والشِعر، وبين القَصة والقِصة، فرأينا صنّاع «الشو» يدخلون مزينين «للكاتب والكاتبة» في معرض الكتاب أمراً يعتقدون أنه جميل، من تكلف الازدحام، وإرسال الورود، واستئجار إحدى عشرة كاميرا تومض، وتوزيع مائة كتاب لصفوف التوقيع، وأمر «الشو» الماكر قد ينطلي على الفن والسياسة والرياضة، لكنه لا ينطلي على الثقافة، وعلى حرّاس القلاع العالية، والحصون المنيعة في الأوطان!
المصدر: الاتحاد