مَن للطيبين، مَن لهذا العالم من نور تزهو به الدنا، وتزدهر الحياة؟ مَن.. مَن لفلسفة الحياة بابن رشد جديد يقول: (كل الأديان صحيحة إذا عمل الإنسان بفضائلها؟ من للإنسانية بروسو جديد يقول: «ينبغي أن نعلي من شأن العواطف السوية، وأن نعزز العلاقات الحميمية الصادقة المباشرة بين الناس، ودونما اعتبار للعرق والطبقة والجنس والدين».
مَن لهذه الكتلة الصّلبة التي تحكّمت في النفوس، والرؤوس، غير هذه الأرض التي انطلقت منها وثيقة إنسانية محمّلة بكل العطر، والبوح السليم، وافية كافية، متعافية من درن أو شائبة، لا إيمان لها إلا بالخلاص، وتنقية الماء من الشوائب حتى تصفو الأرض، وتتعافى الزهرة من الغبار، وتسمق أغصان الشجرة.
قال طاليس العظيم: «إذا كانت الأشياء جاءت من الماء، فلننق الماء.. وإذا كانت الحياة قد جاءت من الأفكار، فلننق الأفكار»، ولا حياة، ولا تطور، ولا رقي من دون التعافي من الأنا، وما شابها من تورّم، وتأزّم، وتمزّق، وتفرّق، وتشتّت، وتزمّت، وتعنّت.
من هذه الأرض، نبتت نخلة السموق، غافة البسوق، ومن هذه الأرض ارتفع الصوت عالياً منادياً هيّا إلى فلاح القريحة، هيّا إلى صلاح الفكرة، ومن هذه الأرض اتسمت فكرة التصالح مع النفس أولاً، مع الآخر، وانطلقت السفينة عابرة البحار، وهي تخوض معركة المصير، بأن نكون أولاً نكون، ولا بد للنفرة بأن تؤتي ثمارها، طالما هناك القناعة بأنه لا مكان للمشوّهين، وشذاذ الأفق، والناكصين إلى مراحل ما بعد الفراغ، لا مكان لأولئك الذين يجرّون العربة إلى الوراء، ويمتصّون حثالة أيّامهم، وأزماتهم النفسيّة، والعقليّة، ولا مجال للذين يفكّرون بعقلية خنفساء مريضة، ولا مجال للذين يمسكون عصا الوهم من جذورها وبذورها، ويظنون أنهم امتلكوا ناصية الحقيقة.
العالم بحاجة إلى عقلية تخلّصت من الغبار، وتحرّرت من البقع السوداء إلى قماشة العقل، وبرأت من حلم كابوسي، جثم على الصدور منذ ما قبل التاريخ، العالم بحاجة إلى نهار، تشرق فيه شمس قيادات آمنت بأن الحب ناموس، وقاموس، وأن التلاقي بين الأديان ليس فسحة مؤقتة، وإنما هو في أصل الجبلّة قيمة، وشيمة، وحياة، ومبدأ، وممارسة.
الأخوة الإنسانية تمضي من هنا، من الإمارات، لتعبر المضيق ثم المحيط، ثم تسكن في الدنا آية من آيات الله في خلقه.
الأخوة الإنسانية حلم أثيري، يقول لنا: «لا تشيلوا هم»، طالما الإيمان بالأخوة نسق يشع به الحدق، ليملأ الأفق، بمنمنمات تفيض بالعشق، وتزهو بالدفق.
هذه هي نظرية قيادة الإمارات فيما يتعلق بقيم الحياة، وأسباب تطور الإنسانية، ونهضتها، وعلو شأنها.
المصدر: الاتحاد