كاتب وصحفي سعودي
لا شك في أن التجارب تضيف للإنسان، وربما تجعله يتجاوز «كوابيس» السؤال والجهل به!
سأورد هنا قصة حصلت لي في مطار الملك خالد بالرياض قبل يومين.
إذ كنت فيه استعداداً للسفر إلى لندن، وعندما مررت بموظف الجوازات الذي من المفترض أن يضع ختم الخروج على جواز سفري، نظر إلى الجهاز الذي أمامه ثم قال لي ومن دون مقدمات: الأخ جميل. قلت: نعم. قال: لا يمكنك السفر!
حقيقة، تذكرت ربما في أقل من ثانية ماذا «هبّبت» حتى أمنع من السفر.. وقلت بيني وبين نفسي: يا ترى، هل الأسباب لها علاقة بصحيفة «الحياة» أو مقالاتي أو أسباب أخرى مثل عدم تسديد فواتير لـ«ساهر» لا أعلم عنها؟
قلت: عسى خير؟ قال: مدة جوازك المتبقية أقل من ستة أشهر، ولذلك لا يمكنك السفر قبل تجديد الجواز. أجبت بسرعة وأنا أبتسم بعد أن عرفت أن أسباب المنع لا علاقة لها بآرائي أو الصحيفة: يا أخي.. رحلتي بعد نصف ساعة، وعلى الخطوط البريطانية، وإذا أغلقوا البوابة فلن أتمكن من المغادرة، ولا بد من أن أسافر لارتباطاتي العملية طالما أن صلاحية الجواز سارية لأكثر من ثلاثة أشهر. رد بكل ثقة: لا يمكن ذلك، فحتى لو سمحت لك فستعيدك السلطات البريطانية. قلت له: ثق إن سمحت لي بأن مطار هيثرو سيرحب بي كوني زبوناً دائماً، وأعرف أنظمة بريطانيا جيداً. رد: أعتذر منك.. لا يمكن!
حينها تدخل الزميل بدر الشلوي الذي التقيته في المطار واقترب من رجل الجوازات (الواثق) ليشرح له بكل أدب وود طالباً الشفاعة والسماح لي بالسفر بعد أن قدم له كل عبارات السمع والطاعة، وكاد أن يقدم له التماساً و«معروضاً» بطلب الموافقة على سفر المواطن جميل الذيابي.
نظر إليّ وكأنه يقول: «لا عاد تتعودها»، ومنبهاً إياي: «جدد جواز سفرك». رددت بكل فرح: «أبشر ولك الشكر».
وعندما صعدت الطائرة وجلست على مقعدي فرحاً بتفهم رجل الجوازات للموقف وسماحه بسفري، اكتشفت أنه «مكبر الموضوع»!
تكدر خاطري بعد أن اكتشفت أن جوازي تتبقى على نهاية صلاحيته حوالى ستة أشهر (خمسة أشهر و١٥ يوماً)، والموظف الذي كاد يمنعني من السفر وهو جالس على كرسي وثير يودع المسافرين يجب أن يتمتع بأسلوب أفضل، وأن يتحاشى الاستخدام المباشر لجملة (لا يمكنك السفر)، طالما أن الفترة المتبقية لصلاحية الجواز طويلة وأكثر من ثلاثة أشهر!
كان ذلك الموظف نموذجاً جيداً في الالتزام بواجباته العملية، لكن يجب أن يكون أكثر مرونة تجاه المسافرين، وفي قياس فترة صلاحية الجواز.
المهم، توسلت إليه وتعهدت بتجديد الجواز حال عودتي للسعودية، وكذلك فعل الزميل الشلوي (كفيلي) بأنه إن سمح لي بالسفر فسأجدد جواز سفري بعد عودتي مباشرة.
ينتهي جوازي بالتاريخ الهجري في ١٧-٦-١٤٣٥هـ، وبالميلادي في 17-4-2014، ويتضح بالتاريخ الميلادي والهجري أن الصلاحية أقل من ستة أشهر بأيام، وكما هو معلوم فإن المملكة تسير في تعاملاتها الرسمية وفق التاريخ الهجري الإسلامي!
ولذلك أطالب الصديق المدير العام للجوازات الفريق سالم البليهد بالاعتذار بعد أن حبس موظفه أعصابي، ومن بعد ذلك تجديد جواز سفري وإرساله لي بالبريد مثلما تفعل بريطانيا والدول المتقدمة.
من تجربة قصيرة جداً، ما أقسى عبارة (لا يمكنك السفر) على النفس.
حقاً، عندما قالها لي موظف الجوازات شعرت بوخزة ألم عاجلة، وأعدت شريط الزمن بالأفعال والأقوال والأفكار في ثوان، وسألت نفسي: في ماذا أسأت للوطن؟
أعان الله كل من لم يتمكن من السفر..!
المصدر: صحيفة الحياة