هي المدرسة في فصولها تنتظم عناوين سبورة الصباح، وتشرق الشمس باكراً على الأبناء إن هم صحوا على ابتسامة مشرقة، وهدهدة تنمي فيهم مشاعر الود، وعاطفة الانتماء إلى الحياة من دون منغصات، ومن دون عثرات تعرقل خطواتهم نحو المستقبل.
لا يمكن أن يطمئن مجتمع ما على مصير أبنائه من دون أن يثق بأم تخرجت في مدرسة الالتزام الأخلاقي، والمسؤولية تجاه الأجيال، فهي النهر، وهي السهر، وهي العيون التي في طرفها أثمد الفرح عندما تفتح جفنيها على فلذة الكبد وتناظره بطرف خفي ترعى شؤونه، وتهتم بشجونه، وتواكب دقات قلبه في حله وترحاله ولا يغيب لها وجه عنه ما دام في سن تحتاج للرعاية، والعناية، والحماية من كل مكروه يمنعه من الوصول إلى قمة الهرم في الوعي الاجتماعي.
الأم مدرسة كتابها مفتوح، وطبشورتها ناصعة البياض، والمسطرة ليست لشيء سوى قياس مستوى الاستيعاب والتحصيل على مدى وجود الطفل بين زوايا المنزل، الأم تستطيع أن تكون جامعة للوصل وكلية للعطاء، فهي في الطبيعة تملك ما لا يملكه أي كائن في الوجود؛ لأن من طبيعتها أن تعطي، وتحتضن وأن تصبر، وتصمد أمام الجائحات مهما تعاظمت ومهما فدحت، ومهما كبرت مخالبها؛ لأن لدى المرأة صبر امرأة فرعون على قاهرها، ومعجزة البتول في عالمها المذهل.
تجد عظمة الأم في عيون الأطفال وهم يقدمون لها عيديتها، وقد فاضت مهجهم برقيق المشاعر، ورهافة الحس، ودماثة الانتماء إلى كائن سحري، خرافي ينتمي إلى عالم القداسة، عالم فيه تصبح المرأة زهرة اللوتس التي تخرج من طين الأرض لتفوح عبقاً، وتنثر في الفضاء عبير عطرها النفاذ، من جوهرها الأخاذ.
في عيد الأم وجوه تألقت بالفرح، ووجوه سحت بأوشحة من حزن، هذه الوجوه التي ربما لم يسعفها القدر على رؤية الأم كونها غادرت قبل أوان العيد، مما جعل في غيابها فراغاً يملأ وعاء القلب، ويزج بالروح في مثالب الردى، ويجعل من العيد مجرد ذاكرة تثقب جلدها إبر الفقدان والإحساس بعدمية الحياة من دون قبلة صباحية تطبعها شفتا أنثى هي من أقدس المخلوقات التي سخت بها يد الخالق.
بعضهم قال وهو ينظر إلى تلك الشموع المعلقة بين السقوف والأرض، لمِ أطفأت الشموع وطويت العباءة ورحلت؟ هذه الحياة تبدو مثل قمر أصابه الكسوف عندما أتلفت ولا أرى وجهك يضيء غرفة وعيي، ويمنحني عصا موسى كي أشق بها بحر معاناتي وأمضي إلى يابسة حلمي.
بعضهم صمت وهو يتابع من كثب كيف تلمع هدايا الأم عندما تحملها أيادٍ مثل باقات الورد، صمت خبأ تحت ملاءته حشرجة قلوب مزقها الحرمان. الحرمان من الأم.
المصدر: الاتحاد