كاتبة إماراتية
لعل من أكثر العبارات التي تغيظني رغم واقعيتها تلك التي تقول: «الإلهام موجود طوال الوقت حولنا.. فقط ينتظر من يكتشفه». الحقيقة أن البحث عن الإلهام ديدن كل مبدع مهما كانت نوعية الإبداع الذي ينتجه، وهو أمر في حدوثه صعب للغاية ومرهق يشبه المخاض الطويل، ولكنه يستحق العناء، فعادة ما تكون النتيجة الوليدة مبهرة لأولئك الجادين الذين يجاهدون أنفسهم بإصرار ولا يستسلمون بسهولة. عن نفسي ورغم سنوات الكتابة الطويلة أعيش فترات أعاني منها غياب الإلهام، ولهذا أجدني أشعر بالحنق الشديد من تلك العبارة التي أوردتها سابقاً، إذ كيف يكون الشيء حولي ولا أجده؟ وكيف أجده في أوقات ما بهذا الزخم!
الإلهام ذاك الشعور الذي يتيح لك الرؤية الشاملة لما وراء أشياء كنت تراها بسيطة، والمبدع هو ذلك الشخص الذي ترجم هذه الرؤية الشاملة إلى شيء جديد لا تراه العين العابرة لذات الشيء. وعادة ما يكون غير متوقع، ولهذا فالبحث في أجوبة لأسئلة لا يسألها الناس عادة باعتبارها مسلّمات، يعد أحد مفاتيح الإلهام. ومن مفاتيح الإلهام أيضاً النظر للأشياء العادية بطريقة فيها انبهار، بمعنى أن لا تستسلم لعاديتها وابحث عن الجميل والمثير في الأحاديث والأفعال وحتى في السكون، في الأشكال والألوان والأصوات والروائح؛ كلها نوافذ لإشراقات عظيمة قابلة للتحقق.
التأمل في أحوال الناس أحد أقوى منافذ الإلهام للكاتب على وجه الخصوص، ولهذا أعتقد أن المجتمعات المفتوحة الصريحة غير المتحفظة تنتج مبدعين في مجال الكتابة أكثر من غيرها، وأقصد هنا بالمجتمعات أي الوسط الذي يعيشه الكاتب وهو المكان الذي يحصل منه على استلهامه. فكلما كانت الأمور غامضة ومخبأة والمشاعر مكبوتة وغير مصرح بها كان الأمر شاقاً وصعباً على الكاتب. وعن تجربة فعلية، وجدت في تأمل أحوال الناس الذين يعبرون طريقاً مزدحماً ومتابعة أحاديثهم وإيماءاتهم وتعبيراتهم وانفعالاتهم جذوة لإلهامي، بقصص كثيرة لا حد لها عن الطبيعة البشرية وعواطفها وطبيعتها الفريدة التي تعد – بالنسبة لي – مصدر الإلهام الأول؛ وهو ما أعرفه الآن عن نفسي أكثر من أي وقت مضى.
المصدر: الاتحاد