الإمارات: هندسة الإنسان وموطن الروح

آراء

خاص لـ هات بوست: 

بعض الأماكن نسكنها وتسكننا، تتسلل إلى أعماقنا حتى تصبح جزءاً من هويتنا.

حين أنظر إلى المرآة اليوم، وأرى ما فعلته العشرون عاماً الماضية في ملامحي، أدرك يقيناً أن الإمارات لم تكن مجرد محطة عابرة في سجل أيامي، أو مكاناً للعمل والإقامة فحسب. لقد كانت، ولا تزال “المعمل” الذي أُعيد فيه تشكيل روحي ورؤيتي للعالم. فمن يعيش هنا، مواطناً كان أو مقيماً، يدرك سريعاً أنه ليس مجرد ساكن في رقعة جغرافية متطورة، بل شريك في مشروع إنساني حضاري استثنائي، صاغته قيادة آمنت بأن العمران لا قيمة له إن لم يرتفع بموازاة ارتفاع قيمة الإنسان.

يخطئ كثيرون حين يقرأون التجربة الإماراتية بلغة الأرقام والأبراج، وهذا اختزال يظلم “الروح” التي تدير هذا الاقتصاد. فالاقتصاد القوي قد يصنع ناطحة سحاب، لكنه وحده لا يصنع “الطمأنينة”. العمق الحقيقي لهذه البلاد يكمن في قدرتها على زراعة الأمل، وفي إيمانها بأن التنمية الحقيقية هي تلك التي تستثمر في “الرأسمال البشري” قبل الحجر. الإنسان هنا قادر على الحلم. ولديه أدوات ترجمة الحلم الى واقع. وهنا سر النجاح الذي تراه اليوم؛ دولة لا تكتفي بصناعة المستقبل، بل تصنع الإنسان القادر على العيش فيه والتفاعل معه.

منذ وطأت قدماي هذه الأرض قبل عقدين، لم أجد نظاماً يطبق القانون فحسب، بل وجدت عدالة تسري في الهواء. تلك المساواة التي لا تعترف بلون جواز السفر ولا بالمعتقد أو الأصل والفصل، جعلت من القانون مظلة أمان يستظل بها الجميع. هنا، تعلمت أن العدالة هي التربة الخصبة التي تزهر فيها أحلامنا دون خوف، مما خلق نوعاً من الولاء الصادق والمحبة الصافية في قلوب الملايين ممن صاروا يعتبرون الإمارات وطنهم وملاذهم.

ولعل السحر الحقيقي يكمن في تلك “الفسيفساء البشرية” التي نعيشها يومياً. أن تكون محاطاً بمئات الثقافات، وتسمع عشرات اللغات، ورغم ذلك يسود وئام عجيب، فهذا دليل على أن الإمارات نجحت في هندسة “المشترك الإنساني”. إنه سلامٌ نابع من الاحترام المتبادل، حيث التعايش ليس شعاراً ولا ترفاً، بل خيار استراتيجي وسلوك يومي يلمسه كل من يسير في شوارعها ويتسوق في أسواقها ويعمل في شركاتها.

لقد وجدتُ في الإمارات المعادلة الصعبة التي عجزت عنها دول كثيرة؛ فهي الحصن الذي صان هويتي العربية التي أحرص عليها، وهي في الوقت ذاته النافذة التي أطللت منها على العالم بثقة. الدولة هنا لا تطمس هويتك، بل تصقلها وتضعها في سياق إنساني رحب؛ إنها تمنحك جذوراً لتثبت، وأجنحة لتحلق.

اليوم، أشعر بامتنان عميق، لا لما حظيت به من فرص فحسب، بل لما أصبحتُ عليه كإنسان. أنا مدين لهذه الأرض لأنها علمتني أن الأوطان لا تقاس بمساحاتها، بل بمساحة الكرامة والحب التي تمنحها لقاطنيها.

شكراً للإمارات.. البلاد التي أحببت، وطني الذي منحني الطمأنينة منذ الابتسامة الأولى التي استقبلتني في مطاراته. والمشروع الذي أفتخر أنني جزء منه. وحين أنظر إلى المرآة غداً، أعلم أن ملامحي ستحمل عشرين عاماً أخرى من الامتنان.