يقول أدغار موران: «يكمُن كنز البشرية في تنوعها الإبداعي، ومصدر إبداعها وحدتها المولدة».
الإنسانية تبدع ليس ترفاً، بل الإبداع حاجة لعدم نسياننا لأنفسنا، وما من مبدع أو مخترع إلا ولديه مشروع حياة، وفلسفة انتماء إلى الوجود، والذين يجعلون من الإبداع مسألة استهلاكية هم أولئك الذين يقفون عند الهامش، هم أولئك الذين يختزلون الزمن بلحظة لفتة عابرة ثم يشيحون في وجوم، ثم يدبرون، ثم يتلاشون تحت عتمة النسيان المريع، مما يجعلهم مجرد طفيليات في الوجود، ثم تذوب في حيثيات الأشياء الزائلة، هؤلاء يمرون على العالم مثل قشة على ظهر موجة، مثل ورقة لوز عجفاء تغيب مع هبّات الريح، وضجيج العصف البشري.
الإمارات دخلت كينونة الكرة الأرضية بوعي أنها جزء من هذا الوجود، فأصبحت بعد حين هي جوهره، وهي محوره، وهي السطر، والقطر والوتر. اليوم ترتب الحكومة الرشيدة مشاعر الإنسان في هذا البلد على أساس الانتماء وليس على نمط المرور العابر، مما يجعل مسؤولية كل مسؤول في وزارة أو دائرة، التزاماً أخلاقياً قبل الوظيفة الاعتيادية، ويجعل علاقة المسؤول بالوطن، كعلاقة الماء بالشجرة، وكعلاقة الأرض بأشعة الشمس، فلا يمكن الفصل بين المسؤول ووظيفته، ولا يمكن جعل المسؤول هو ذلك المخلب القابض على قمة الشجرة ولا عين تراه، ولا أذن تسمعه، ولا عقل يتبع خطاه؛ لأن المسؤولية هي دين والدائن هو المجتمع والمدين هو المسؤول، وهذه العلاقة تتبعها مطالبات، والتزامات، تتسم بأخلاقيات العمل الدؤوب، والوظيفة المنقاة من الأنانية، والزحف على البطون.
كلمات صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله: «التميز في الإمارات ثقافة مستدامة»، تعطي إشارات واضحة وجلية، لمن يهمه الأمر، بأن الإمارات ماضية في أدائها المتميز، ومن يتخلف عن ركب التميز، لا بد أن القطار سيتركه على رصيف اللاشيء.
هذه سياسة الإمارات، وهذه هي الحكمة التي جعلت بلادنا تقف نداً مكافئاً مع الكبار، وفي مواجهة الظروف العصيبة، وجدنا الإمارات جواداً جامحاً يثب برشاقة، ويصل فيحقق الطموح بأناقة وأناة وتؤدة ومن دون مشقة ترهق الكاهل وتندي الجبين. الإمارات بهذه الرؤية إنما هي تتجاوز حدود الممكن، لتلامس المستحيل بأنامل مخضبة بعرق الذين يعشقون الصعاب، والذين تستهويهم حداثة الأفكار كما هي توالي الليل مع النهار. هكذا هي النبرة التي يبوح بها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، محتفياً بالإرث العظيم، الذي تركه المؤسسان زايد وراشد، طيب الله ثراهما، منتمياً إلى حكمتهما في البناء، والإبداع، والابتكار، ولإيمانه بأن الحياة لا تبتسم إلا لذوي العقول المبدعة، والهامات المرفوعة، والعيون الشاسعة في رؤيتها للجديد المتألق، وذي الرونق الأخاذ. ومن يتأمل المشهد في الإمارات، يرى هذه اللوحة التشكيلية، ممتدة على مائدة التضاريس، يشعر بالفخر، يمتلئ بالسعادة، كون الجمال ثيمة هذا البلد، وسمته، ومن خصال أهله، هؤلاء هم عشاق القصيدة، والذين كتبوها على الرمل فأصبح الرمل قصيدة عصماء تمتد من شعم حتى السلع.
المصدر: الاتحاد