مؤسسة ومدير ة دار ورق للنشر في دبي وكاتبة عمود صحفي يومي بجريدة البيان
بمناسبة الحديث عن الهويات الأصيلة والهويات البديلة، ولماذا يعيش البعض في مجتمعات لا يحملون لها مشاعر إيجابية برغم كل ما تقدمه لهم؟ بالنسبة لهاجس الخوف على الهوية الثقافية والدينية فإن الأمر يحتاج لمناقشة حقيقية بعيدة عن الادعاء والأدلجة!
علينا أن نقر أولاً بأن الخوف على الهوية أمر مبالغ فيه، والاعتقاد بأن الإنسان يمكنه أن يحافظ على هويته خالصة دون مساس أمر آخر مبالغ فيه، طالما أننا قررنا العيش في مجتمعات بديلة ومختلفة تماماً عن ثقافتنا الأصلية، فما من شك أننا سنتأثر بالمحيط الجديد عاجلاً أو آجلاً!
فبداية فإن الانتماء إلى ثقافة مجتمع جديد، من حيث اللغة والعادات، ومنظومة القيم والتقاليد، يختلف عن الاندماج في يوميات هذا المجتمع والاعتياد على مناخه ومفردات التعاطي البشري فيه، لأن الانتماء عملية معقدة بعض الشيء، ولكن، لا بد من بذل الجهد والمحاولة في سبيل التكيف والاندماج، طالما أن قرار الهجرة قد اتخذ ولا تراجع عنه.
وطالما أن الظروف في بلد الهجرة تحترم حقوقه ومتطلباته وكرامته، صحيح أنه لن يستطيع نسيان لغته الأم، ولكنه يستطيع تعلم لغة مجتمعه الجديد، والارتباط بعلاقات مع الناس، واحترام منظومة القوانين والثقافة كاملة.
قد لا يحدث الانتماء الكامل في الجيل الأول من المهاجرين، ولكن الأجيال اللاحقة لا بد من أن تحقق معادلة الانتماء الكلي بسبب الزمن وظروف التربية والتنشئة وتراكم الذاكرة.
إن بلداً يمنح مهاجراً ما جنسيته وهويته وحق العيش بأمان فيه، ويضمن تعليمه وتعليم أبنائه ويوفر له كامل الحقوق المعيشية والاجتماعية والسياسية بعيداً عن أي شكل من التمييز أو التعدي، يستحق أن يبادله المهاجرون العطاء وبمصداقية، أما أن أعيش وأتمتع بكامل حقوق مواطن حقيقي عاش أجداده في البلد لمئات السنين، ثم أجاهره بالعداء والكراهية وتدبير المؤامرات فهذا ما لا يمكن قبوله وتبريره، وهو ما يحدث للأسف لأصحاب الفكر المتطرف أو الانعزالي أو الذين يحولون هويات التعايش إلى هويات قاتلة!
المصدر: البيان