/وام/ أكّد قداسة البابا فرنسيس، بابا الكنيسة الكاثوليكية، تقديره العميق لدولة الإمارات العربية المتحدة، ودورها في نشر ثقافة السلام والتسامح والتعايش في المنطقة والعالم، معتبراً أن عظمة أي بلد في العالم لا تقاس بالثروة فحسب، بل بدورها الملموس في نشر قيم السلام والأخوة والتعايش والدفاع عنها.
كما أعرب قداسته، عن تقديره الكبير لالتزام صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، بدعم الجهود الدولية من أجل السلام والتسامح، معلقاً على ذلك بالقول: “إن الاستثمار في الثقافة يعزّز انحسارَ الحقد ويسهم في نموَّ الحضارة والازدهار”.
وأعرب قداسته في حوار أجرته معه صحيفة “الاتحاد” ونشرته في عددها الصادر اليوم، عن تقديره الكبير لالتزام صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان بمكافحة الأمراض في جميع أنحاء العالم، ونشر مبادئ “وثيقة الأخوة الإنسانية” من خلال مبادرات ملموسة تهدف إلى تحسين حياة المحرومين والمرضى، وقال: “إنني ممتن لسموه ولالتزام الإمارات بتحويل تعاليم الوثيقة إلى أعمال ملموسة، فالخير يجب أن يكون عالمياً، لأن الأخوة عالمية بطبيعتها”.
ووصف قداسة البابا، المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، بأنه مثال رائع للقائد بعيد النظر الذي بنى وطنه على التسامح والتعايش والتعليم والشباب، مؤكداً أن أبناءه يسيرون على نهجه ذاته.
وطمأن قداسته خلال الحوار، الملايين حول العالم وكل من صلى من أجله، على صحته، في أعقاب العملية الجراحية التي أجريت له وتكللت بالنجاح، مضيفاً: «كان الأمر صعباً، ولكني الآن، والحمد لله، أحسن، وأفكر بجميع المرضى، وأدعو لهم بالشفاء العاجل، وأن يجدوا عبر ظلام المرض القوة لاكتشاف معنى الحياة ونور الإيمان وفرح الرجاء».
وأوضح قداسة بابا الكنيسة الكاثوليكية أهمية وثيقة الأخوة الإنسانية كخارطة طريق، وأثنى على مشروع البيت الإبراهيمي وعلى شجاعة الإمارات في تنفيذ هذا المشروع المهم تأكيداً لأهمية التعايش وثقافة الحوار والأخوة.
واستذكر قداسته زيارته التاريخية لأبوظبي، بالقول: «أتذكر بفرح وامتنان كبيرين رحلتي إلى الإمارات العربية المتحدة في عام 2019 والترحيب الحار الذي تلقيته.. لقد تأثرت بشدة بالكرم والود الذي منحني إياه بلدكم العزيز»، مضيفاً «قلت في خطابي في أبوظبي: “أرى في بلدكم أنه لا يتمّ الاستثمار في استخراج موارد الأرض وحسب، بل أيضاً موارد القلب، أي في تربية الشبيبة”.
وفي هذا الصدد، قال قداسته: “أقدر كثيراً التزام دولة الإمارات العربية المتحدة، وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، الدائم ببناء المستقبل وتشكيل هوية مفتوحة، قادرة على التغلب على إغراء الانغلاق على الذات والتصلب.. وفي دعم الجهود الدولية من أجل السلام والتسامح، لأن الاستثمار في الثقافة يعزّز انحسارَ الحقد ويسهم في نموَّ الحضارة والازدهار”.
وعن “وثيقة الأخوة الإنسانية”، قال قداسته: “أقدّمها إلى جميع الوفود التي استقبلها في الفاتيكان، لأنني أعتقد أنها نص مهم، ليس فقط للحوار بين الأديان، ولكن للتعايش السلمي بين جميع البشر”. وأضاف: «يسرني جداً تقبل المجتمع العالمي وفهمه لرسالة الوثيقة وأهدافها بوصفها دليلاً للأجيال المقبلة، واعترافاً بأننا جميعاً أعضاء في أسرة بشرية واحدة».
واستطرد قداسته بالقول: «أودّ أن أقول، إن الوثيقة هي نور يرشد الجميع، وخارطة طريق لأي شخص يختار بشجاعة أن يكون صانع سلام في عالمنا الممزق نتيجة الحرب والعنف والكراهية والإرهاب، فالأخوة الإنسانية هي الترياق الذي يحتاجه العالم للشفاء من سم هذه الجروح”.
وفي أول تصريح حول حادثة إحراق المصحف الشريف التي شهدتها السويد مؤخراً، قال قداسته: “إن السماح بهذا مرفوض ومدان”، مؤكداً أنه لا ينبغي استغلال حرية التعبير كذريعة للإساءة للآخرين، ومعرباً عن غضبه الشديد من مثل هذه التصرفات.
وقال قداسته: “مهمتنا تحويل الحس الديني إلى تعاون وأخوة وأعمال ملموسة للخير، فنحن بحاجة اليوم إلى بناة سلام، لا إلى صنّاع أسلحة، بحاجة إلى بناة سلام، لا إلى محرّضين على الصراعات، بحاجة إلى رجال إطفاء، لا إلى مُشعِلي النيران، بحاجة إلى الدعاةِ، إلى المصالحة، لا إلى المهدّدين بالدمار، فإما حضارة الأخوة أو رجعية العداوة، وإما أن نبني المستقبل معاً، أو أنه لن يكون هناك مستقبل”.
واعتبر قداسته أن مستقبل التعاون بين الأديان يقوم على أساس مبدأ المعاملة بالمثل واحترام الآخر والحقيقة.
وحول “البيت الإبراهيمي” أعتبر قداسة البابا أنه مكان لاحترام التنوع الذي أراده الله، ورسالة تشهد على أن الإيمان يجب أن يغذي مشاعر الخير والحوار والاحترام والسلام وليس مشاعر العنف أو التصادم أو الصراع أو الحرب.
وأعرب قداسته عن شكره لكل من عمل لجعل هذا المشروع حقيقة واقعة، وعن ثقته في أنه سيصبح نموذجاً ومركزاً للحوار الديني وللتعايش بين الأديان.
ودعا قداسة بابا الكنيسة الكاثوليكية، إلى منح الشباب الأدوات اللازمة لحمايتهم من خطر الوقوع في صدامات شائنة، والرسائل السلبية والأخبار الكاذبة والمفبركة، وإغراءات المادية والكراهية والأحكام المسبقة، حاثّاً على عدم ترك الأجيال الجديدة وحدها في هذه المعركة.
واعتبر قداسته أن أهم هذه الأدوات هي الحرية والتمييز والمسؤولية، محذراً من معاملتهم كفتيان غير قادرين على الاختيار واتخاذ القرار؛ واصفاً إياهم بأنهم الحاضر، والاستثمار فيهم يعني ضمان الاستمرارية.
وخاطب قداسته الشباب بالقول: “كونوا بناةً للسلام، وليس صُناعاً للموت أو العنف، ولتجدوا في الإيمان بالله المصدر والقوة لتصيروا أفضل، ولتجعلوا العالم مكاناً أفضل، وليكن الدين عاملاً من عوامل السلام والتعايش والأخوة، وليس أبداً من عوامل التصادم والكراهية والعنف”.
ووصف قداسة بابا الفاتيكان مؤتمر الأطراف “كوب 28” المقرر انعقاده في الإمارات خلال الفترة من 30 نوفمبر وحتى 12 ديسمبر المقبلين، بأنه نداء عاجل لتقديم إجابات عن الأزمة البيئية، وصرخة الأرض، معرباً عن أمله في أن تنجح جهود الدولة لصالح كوكبنا الذي هو “بيتنا المشترك”، وداعياً إلى إيجاد حلول واقعية للمشاكل الحقيقية لأزمات المناخ قبل فوات الأوان.