لسنا أفراداً متطوعين، بل نحن دولة متطوعة، فالتطوع سمة الأوفياء، التطوع لغة العفوية، فطرة الجداول، وهي تمارس وعي العطاء من دون قوانين رسمية، فطرة الوردة وهي تقف عند عتبة باب منزل، وتهدي الشذا طواعية ومن دون مقدمات ولا نظريات ولا قوانين وضعية.
اليوم نرى التطوع في الإمارات قانوناً عفوياً فطرياً تسنه روح الناس النجباء، وتضع قوانينه قيم توارثها الأبناء عن الآباء، وهكذا تسير القافلة باتجاه التضحيات، موسومة بأعراف وتقاليد وعادات رسمت ملامحها على الوجوه، ووضعت بصمة حب الآخر على صفحات القلوب.
الإمارات اليوم تبدو في المشهد الإنساني دولة العطاء من غير حدود، ولا تضاريس مجزأة؛ لأن الوعي الرسمي والشعبي يسيران باتجاه واحد، هو قرص الشمس الذي يدلي بخيوط الحرير نحو الأرض، وهي الطبيعة وجبلة المخلوقات التي تنمو فيها وشائج الحب، وتترعرع عناقيد الشفافية، وتبزغ المسؤولية الوجودية في النفوس كأنها الفجر يشعشع نوره في الأفق ليهدي الناس وضوح الرؤية، ويمنحهم القدرة الفائقة لمشاهدة صفحات الكون جلية خالية من الخدوش.
الإمارات اليوم تقف على المنصات العالمية، تقدم الدروس في العطاء، والعبر في التطوع، ونرى هذا الترياق مرسوماً على جباه الأبناء، نراه يوشح الوجوه بابتسامة رضا، والأيدي تمتد بسخاء.
عشنا هذه اللحظات في زمن كورونا، ورأينا كيف كان التطوع يسير قوافله الفذة تحت سقوف تلك الخيام الشاسعة، وكيف كان المتطوعون من أبناء الوطن يكافحون بجد ونشاط من أجل مواجهة أعتى نائبة ألمت بالبشرية، كانوا شباناً وشابات يقدمون أنفسهم أمام الملأ كفراشات زاهية باللطف وخفة المشاعر ورقة القلوب، ويعملون ليل نهار من أجل تخفيف العناء عن كواهل الناس بمختلف جنسياتهم وأجناسهم، يعملون بخواطر أشف من الماء العذب، ويبذلون بأقصى ما تتحمله النفوس والأجساد من جهود، فرحين بما يقدمونه، مرتاحين لما يشهدونه من تضافر كل الإرادات في سبيل دفع الضرر ورفع الشرر ومنع الكدر، لأنهم فقط أبناء زايد الخير، طيب الله ثراه، هو الإرث وهو الأثر وعلى منواله تسير القيادة الرشيدة محملة بمسؤولية إنسانية سامية والتزامات أخلاقية عالية المنسوب، وعندما نستدعي الذاكرة ونستعيد كلام قائد المسيرة المظفرة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، يوم استحكمت بالعالم أفظع جائحة في التاريخ بمقولته الشهيرة: (الغذاء والدواء خط أحمر لا يمكن التهاون أو التفريط به)، هذه العبارة هي النبتة التي أزهرت في قلوب الأبناء وأينعت، فأصبحوا في العالمين بساتين فرح وحقول أمل.
ووضعت مؤسسة الإمارات للتعليم مستويات التطوع في المدارس، وأناطت المسؤولية عن العملية التعليمية بوضع الحدود لهذا العمل المقدس، وترتيب وجدان الطالب، بحيث يضع في الحسبان بأن التطوع ليس ترفاً ولا هواية، وإنما هو مسؤولية أخلاقية والتزام وطني تجاه الآخر، وهو العلاقة الوطيدة بين الإنسان والوطن وبين المواطن والآخر، هو كل ذلك في معجم العادات الإماراتية، هو كل ذلك في قاموس العلاقة الإنسانية التي رسمتها القيادة، وحددت معالمها وأساليبها وخططها ووسائلها؛ لأن التطوع جزء من النهضة العمرانية التي تبدأ من عمران الروح الإنسانية بشواهق الحب، وكل ما يجعل الإنسان الروح والريحان ورائحة المسك في ضمير عشاق الحياة.
المصدر: الاتحاد