يبدو أن مجتمعاتنا ابتليت بداء التنمر، ومازالت الجهود المبذولة لم توقف هذه الآفة التي تهدد السلم الاجتماعي، وربما تدمر حياة الكثيرين، المشكلة الأساسية أن من يقومون بالتنمر لا يدركون مدى جسامة وأذى ما يفعلونه، والأدهى أنهم يعتقدون أنهم على صواب، ويشمل التنمر كل أشكال العنف والإساءة والإيذاء الموجه تجاه شخص أو مجموعة من الأشخاص، وقد يكون تنمراً جسدياً أو لفظياً أو إلكترونياً، وقد يكون مباشراً أو غير مباشر، أي بالتصرف والفعل أو مجرد التهديد بأفعال أو أقوال معينة. وللأسف فقد سهَّل التواصل الإلكتروني ممارسات التنمر، حيث أصبح بمقدور أي شخص لديه إمكانية الوصول إلى الإنترنت التعدي على الآخرين بالقول والفعل أيضاً.
للأسف، فالكثير من المواد الفنية المنشورة على الإنترنت، والكثير مما يذاع في التلفزيون، يتهكم بطريقة مباشرة أو غير مباشرة على فئات من المجتمع، كالتهكم على من لديهم سمنة، أو ذوي الهمم، أو أصحاب البشرة السمراء، وفي العام الماضي قام أحد المدرسين بالسخرية من طالبة بسبب لون بشرتها! ماذا يحدث؟ هل عدنا إلى عصر الجاهلية؟ ألم تكفنا السنين والقرون لنتعلم التسامح مع أنفسنا كبشر، ونقدر أن هذه الحياة زائلة، وأن الله عزوجل خلقنا سواسية، ولا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى والعمل الصالح! ألم نتعلم حتى الآن أنه ليس من حق أحد الحكم على شكل الآخر، فما بالك بالحكم على دينه ومدى إيمانه، والمزايدة على علاقته بالله عزوجل.
لقد ضجت وسائل التواصل الاجتماعي في الأيام الماضية بالسباب واللعن لأحد الفنانين، لمجرد أنه نشر صورة ابنتيه بشكل وجده البعض غير لائق، وبغض النظر عن كون الصورة عادية أم لا، هل كونه شخصية عامة مبرر للهجوم والتنمر بهذه الطريقة؟! هل سيغير ذلك التنمر من سلوك الإنسان المعتدى عليه؟! لماذا لا نضع أنفسنا مكان الآخرين ونفكر كيف سيكون شعورنا إذا تمت إهانتنا بهذا الشكل، ثم أين نحن من قول المولى عزوجل: «ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك». (159 – آل عمران).
بدلاً من أن نستفيد من التكنولوجيا في التعلم، واكتساب مهارات جديدة، وصلة أرحامنا، يبدو أن البعض يأبى إلا أن يمارس ساديته في التعدي على الآخرين. أتمنى أن نعتبر مما تمر به الإنسانية كافة حالياً، فنتسامح ونتعظ ونحن نشاهد أناساً عرفناهم وعشنا معهم يغادرون سفينة الحياة في غضون أيام، أتمنى أن ندرك أن الله سبحانه وتعالى يرانا، وسيحاسبنا على كل كلمة وهمزة ولمزة، وعلى ما اقترفت أيدينا وما ارتكبناه من ظلم وتعدٍ على الغير بغير حق.
المصدر: الإمارات اليوم