في محطة القطار ببكين، صباح أمس، و في الطريق إلى مدينة تياتجين، تمنيت لو يأتي كل مسؤول في العالم العربي معني بالتنمية و البنى التحتية لكي يشاهد حجم المنجز الصيني العملاق. و تمنيت أن أسأل المعنيين بالبنى التحتية في العالم العربي: ماذا بنيتم في أوطانكم؟ قد لا أبالغ إن قلت إن حجم المنجز في مدينة صينية واحدة خلال العشر سنوات الماضية ربما فاق كل المنجز في كل العالم العربي خلال ذات الفترة. و الصينيون ينجزون مشاريعهم العملاقة بهدوء و بلا «طنطنة» إعلامية كتلك التي ندمنها في العالم العربي حتى ليكاد المرء منا يشك أننا قد اكتشفنا وجود الماء في المريخ. و مع ذلك أقول لنطنطن ليل نهار و لكن دعونا ننجز.
أمس، و قد غلبت الدهشة من حجم المنجز في بكين و تياتجين، خاصة في مشاريع البنى التحتية، أسفت للميزانيات الضخمة التي نسمع عنها في أكثر من بلد عربي من دون أن نرى ما يوازيها من منجزات على الأرض. مشاريع من مثل التي رأيت في الصين هي استثمار في المستقبل. فماذا بنينا نحن لأجيال المستقبل في بلداننا؟
لا تملك أحياناً سوى أن ترى هذا الهدر المهول في ثروات العرب من دون بناء حقيقي في قطاعات الصناعة و البنية التحتية. و سألت أمس : هل من المعقول ألا يشاهد وزراؤنا و صناع القرارات العربية التي تعنى بالتنمية ما شاهدته خلال زيارتي القصيرة للصين؟ هل من المعقول ألا يحرك فيهم مشروع واحد من هذه المشاريع العملاقة التي رأيتها حس المسؤولية؟ أي عذر يمكن أن يبرر لهم تقصيرهم؟
أمس و اليوم عطلة آخر الأسبوع في الصين. و في محطتي القطار في بكين و تياتجين كنت أسير بين آلاف الناس و لكنني لم أشاهد ملمحا واحدا من ملامح الفوضى. الناس تتكيف مع ما أمامها من أنظمة و قوانين و مشاريع. و أكاد أجزم أن زحام الناس أمام كاونتر الانتظار في مطار من مطاراتنا العظيمة أكثر فوضى من أي زحام يمكن أن تصادفه في بكين!
نشرت هذه المادة في صحيفة الشرق المطبوعة العدد رقم (٢٨٧) صفحة (٣٢) بتاريخ (١٦-٠٩-٢٠١٢)