كاتبة سعودية
قبل أن أبدأ بالموضوع أريد أن أقرر أن الاختلاف الثقافي بيننا شيء مفروغ منه، وسنة كونية، فالابن مختلف عن أخيه والولد عن والديه؛ والذي يصنع هذا الاختلاف عوامل موروثة وعوامل بيئية تؤثر في اختيارات الإنسان وقراره.
ولو ركزنا على العوامل المؤثرة في بناء الإنسان العربي اليوم لتوقفنا عند ما يشبه نقاط التفتيش الثقافية تبدأ من الصراع مع الاستعمار الذي تسلق عليه تيار العروبة بشعارات جميلة ليصل إلى الحكم في معظم الدول التي تعرضت لهزات وحروب اليوم، ولوجدنا أن أول من تصدى للعروبيين هم التيارات الإسلامية كالإخوان الذين كانت لهم أيضا أطماع سياسية ولا تزال، وارتبطت أحيانا بالحاكمية أو حلم الخلافة.
نقاط التفتيش السالفة تضاف إليها الحروب والصراع مع اليهود والثروات الهائلة في بلاد العرب التي يرنو لها الشرق والغرب وأهمها النفط. بعد العوامل السابقة التي أثرت في الإنسان العربي سيطرت على بعض الناس أفكار جعلتهم يتبنونها لحد الموت، والموت فكرة جيدة عندما يكون نبيلا كالدفاع عن الوطن، لكنه يتحول إلى كارثة عندما يموت المرء قاتلا لوطنه!
لو تأملنا العربي الخاضع لأيديولوجيا سنجده يتبنى أفكارها ويعتد بها صنف نفسه بسهولة يعيش أو يموت مدافعا عن ولائه لفكرته كما رأينا في الحروب العربية الدائرة. المشكلة في الإنسان المسالم الذي لا يتبع المؤدلجين ولكنه قد يموت أو يعيش معذبا بسببهم؛ لأنه لا يخوض صراعاتهم ولكن صراعاتهم عليه وعلى خيارات حياته. هذا المسالم أول ما يتعرض له هو التصنيف الجائر، وهذا المسالم هو الضحية الأكبر ثقافيا، خاصة لو كان بسيط التعليم أو جاهلا لا يستطيع النجاة بنفسه أو بأولاده من أرباب الفكر المؤثرين، ويقول كما قال عم القاتل سعد أو أمه: (إن الولد مسحور!). نعم للجريمة سحرها؛ وللقتل والعدوان سحره الذي يستمتع من في قلبه مرض بمشاهدته والتلذذ بفكرة القتل بالتالي فأشهى الوجبات والمتع عنده تعذيب إنسان آخر. عند هذه النقطة أو لنقل النتيجة المروعة نظن أننا وصلنا إلى القاع وأنه لا أسوأ مما نراه، ولكن قراءة بسيطة للتاريخ المعاصر تقول إننا كنا نجابه الأسوأ دائما؛ فالعروبيون يقتلون العرب اليوم بسلاح إيراني روسي، وقبلها ولليوم المخلوع يقتل اليمنيين؛ وقبلها القذافي يقتل شعبه، ومصر وما أصابها من فوضى محيرة، وقبلها كل الإرهابيين يوجهون سهامهم للعدوان علينا بدلا من استعادة فلسطين، وقبلها صدام يهاجم الكويت ويصل إلى حدودنا سلسلة لا تنتهي من الصدمات والحروب ولا يفسرها إلا أن الغرب والشرق يريدنا سوقا لسلاحه.
مع ما سبق مرّت بنا هزة الصحوة التي من جهة ما كانت رغبة صادقة من كثيرين في النجاة بالإنسان والأخذ به لخيري الدنيا والآخرة، ولا مشاحة في ذلك (فالجنة عروس مهرها بذل النفوس)، شعار ارتبط بالصحوة من ضمن شعارات كثيرة تولد عنها لاحقا ثقافة الموت، فسهل أن يتوزع شبابنا كما تتوزع (أحجار على رقعة الشطرنج)، تارة في أفغانستان وطورا في الشيشان؛ والفزع لنجدة كل مكان ربما ارتبطت بصرخة امرأة يسمعها الشاب من فم صحوي يبكي على منبره حال المسلمات، ويحث الشباب على الجهاد ويزداد مالا وعيالا ولا يضيره ما ينقص من مال وعيال غيره!
الصحوة المؤدلجة بمصالح شخصية لم تقدم للوطن أي مشروع إصلاحي يوازي ما قدمه الشيخ ابن باز -رحمه الله- في مشروع مساعدة الراغبين في الزواج مثلا؛ الصحوة قادت أربابها للثروة وضحاياها للبذل والموت في حروب في كل مكان. طلب التبرعات التي كان يحملها (الثقة) لدول أفريقيا الفقيرة وكانت تعطى لشيخ القرية أو إمام المسجد ليوزعها بمعرفته على المحتاجين فيأخذ المال شاكرا ويشتري به أسلحة يقاتل بها الكفار ويردون بالمثل، وتستمر الحروب ويموت الفقير مقتولا جائعا! وقد يسأل المتبرع من أين يجدون المال للقتال ولا يعلم أنه ماله!
الصحوة أحدثت شرخا اجتماعيا هائلا أفسدت علاقة الأبناء بآبائهم، لا تستغربوا أن يقتل اليوم الولد أباه أو ابن عمه، فمن الثمانينات الميلادية بدأ كثير من التفكك الأسري بعوامل اقتصادية واجتماعية وثقافية، فميل الشاب للعزلة ارتبط بنظرة دونية للأهل تنتقدهم من منظور ديني أخلاقي، ولا أنسى صديقة لي حينما ذهبت للهيئة تشتكي أهلها بسبب الدش!
الصحوة أيضا قدمت تعريفاتها الخاصة لمصطلحات بيضاء سودتها وربطتها بالكفر وجعلت نفسها مصدرا للتشريع وحارسا للجنة والنار؛ فحاربت عمل المرأة وقيادتها وسن القوانين وتقنين القضاء ومؤسسات المجتمع المدني، وبالتالي خلقت أيديولوجيا دينية ضد الحياة وضد الدولة مجهولة الأهداف أو مشوشة تنطلق من مخاوف خاصة على الإسلام تحرم كل مظاهر الحياة وتنطلق لخارج البلاد للدعوة والعلم، تنزه نفسها وتدين الآخرين تعمل بالخارج ما تنهى عنه بالداخل، فحدث شرخ آخر خطير وانشقاق على الصحوة يشبهها يكفرها.
(تكفى يا مجتمعنا) الحل من وجهة نظري سحب الأسلحة من بين أيدي المراهقين أو إبعاد أسلحة الآباء عنهم، واحتواء الإنسان من الدعاة المتشددين والتأكيد على الترابط الاجتماعي والفكري الأسري بين أفراد المجتمع، وسحب الشباب من عزلتهم الخاصة حتى لا يسهل تأثير الغير عليهم؛ وتكوين مؤسسات تتبنى مشاكل الشباب قبل استفحالها وتجريم محاربة الثقافة والفنون، فمن يحطم عودا يضع رشاشا بدلا عنه!
المصدر: صحيفة الوطن