سارة الرشيدان
سارة الرشيدان
كاتبة سعودية

قطعة من عقله أم فقاعة إعلامية

آراء

تقول العرب “اختيار الرجل قطعة من عقله”، أتذكّر هذا القول حينما أقرأ مختارات جميلة تثري، وأتذكّر أن صاحب الاختيار يقدم لنا شيئا من عقله ووجدانه جميلا خلابا يكشف عن ذوق رفيع، وعلى النقيض مَن يقدم لنا الأفكار السريعة المستهلكة أو المثيرة لغرض الجذب، والتي مهما حلقت عاليا فهي بالنهاية أشبه بفقاعة الصابون التي سريعا ما تختفي وتذهب بكل تكسر اللون القزحي المتموج وكأنها لم تكن يوما!

الحرفية الإعلامية التي تقوم بها المؤسسات المميزة هي ما يجذب المتابعين ومعهم يأتي المعلنون، فالفقاعة الإعلامية صعدت ببعض الشباب إلى أفق المرئي والمتابَع؛ مع أنه قد لا يملك أكثر من مال أو معلومات بسيطة، ولكنها رسائل غير عميقة جاذبة للجماهير، والجماهير هم الفئة المستهدفة دائما؛ وقادت بالتالي إلى المزيد من تجهيل المجتمع بجعله متابعا لما يطرحه الشباب ويتابع تفاصيل يومهم، وهو ما يزال بحاجة إلى وقته ليستفيد منه في تنمية ذاته وممارسة خياراته بعيدا عن توجيه قاصر من قاصر!

لو تابعنا مسيرة الإعلام لرأينا أنه تولد قنوات جديدة، وفي الوقت نفسه تمرض قنوات وصحف، وتموت قنوات وكذلك صحف ومجلات، ويبقى الجيد حاضرا، من يمكنه أن ينسى الرسالة المصرية؟! ومن نسي العربي الكويتية؟ ومن لا يذكر العرب السعودية وجاسرها حمد؟! أو حتى بعض البرامج أو اللقاءات الجميلة التي خلدها جمالها في أذهاننا!

مئات القنوات تنتشر في فضائنا؛ أحد أصحاب القنوات مؤخرا بعد أن عجز عن العمل باحترافية تجلب له المعلنين لسنوات أخذ يصب غضبه على قنوات أخرى رابحة إعلانيا، واقع يتجاور مع سخط منصب على أحدهم هذه الأيام، تحمل لنا الرسائل اسمه، وطلب أن نبدي رأينا فيما كتبه، ولا ندري أهي حرب يقودها أشخاص كارهون له ضده، أم أن الحرب على الأفكار المناوئة له قادت إلى حرب عليه، كما عبر أحدهم؛ حسب قانون القوى المرتدة المساوية في المقدار والمضادة في الاتجاه؟!

الأصالة اللغوية والاحترافية الإعلامية هي التي تصنع الفرق في منتجاتنا، خاصة في وطن عربي متنوع وممتد لا يتفاهم بشكل جيد إلا من خلال فصاحة لغته. الطرح الركيك واللغة الركيكة أيضا مطب يجب أن يتجاوزه الإعلام لينجح، وقد وقعت فيه قنوات لتكسب فئاما من الناس فخسرت الأغلبية بسبب لغتها أو منطلقاتها التي تؤسس لها وتنطلق منها. والجميل الذي يميز القنوات الإخبارية لغتها الفصحى الممتازة، وقد يجهل كثير من الناس أن أول خطوة تثري أي إنسان بلغة هي استماعها، ومع أننا اليوم يفترض أننا وظفنا المتاح والسهل مما يقوي لغتنا إلا أن قوة اللغة التي كانت بالأمس إنما كانت لأن الإعلام العربي المحلي الموجه كان فصيحا ببساطة، لا يشوبه برنامج إذاعي يستدعي أساليب الخطاب الشائعة.

الإعلام وما يطرح في سوقه من تجارة رابحة مع الناس يقدم لنا عناوين رئيسية من الكوارث للأخبار الطريفة، والإنسان يتفاعل مع الحدث بتوجيه من الإعلام وبتوجيه من اهتماماته الخاصة وأحيانا مخاوفه التي قد تسيطر عليه، لكن الإعلام الجيد يصنع الفارق حين يقدم الخبر والمعلومة ويتابعها بامتداد مراسليه وبحثه عن المصداقية!

نموذج التحليل والمتابعة لانتخابات الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي قامت به القنوات المختلفة تميزت فيه قناة “سكاي نيوز عربية” التي أراها تتقدم باحترافية في رسالتها الإعلامية التي ظهرت في تغطية انتخابات الرئاسة الأخيرة، حتى إنها أطلقت تطبيقا ذكيا لمتابعة مجريات الانتخابات وهي خطوة متقدمة (كشف نارت بوران الرئيس التنفيذي لسكاي نيوز عربية عن التطبيق الجديد أول مرة من خلال تغريدة عبر حسابه على تويتر دعا فيها المتابعين إلى الاستفادة من مزاياه المتعددة). وأيضا ذكرت قبل الانتخابات (ما يميز التغطية الخاصة يوم غد، هو الانتشار الكبير لمراسلينا في مختلف الولايات والمدن الأميركية..).

القنوات الجيدة إعلاميا هي التي تنقل بشفافية، وهذا مطلب لتكوين توجهات سليمة ومواقف واضحة تجاه حاضرنا ومستقبلنا لنمضي بعيدا عن تشويش أفكار الآخرين وضجيج آرائهم المفرطة في التشاؤم أو التفاؤل، فالإعلام في النهاية مصداقية وحرفية تصاغ بلغة متفوقة.

المصدر: الوطن