رئيس تحرير صحيفة الإمارات اليوم
عندما تحدث صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، حفظه الله، في رسالة الموسم الجديد عن موضوع التوطين، كان يدرك أن هناك مشكلة في هذا الملف، وكان يعرف حجمها الحقيقي، ويعرف مسبباتها، ويعرف تماماً أين يكمن الخلل، وكيف يمكن علاجه وإنهاء هذه المشكلة بشكل جذري، وسموه يرتكز في تصريحاته دائماً، وفي تشخيصه لأي مشكلة، على الأرقام الحقيقية، والمعلومات الوافية، والدراسات العلمية الواقعية، لا على كلام عاطفي مرسل، ومعلومات مجتزأة، وتحليلات بعيدة عن الواقع!
أعداد المواطنين في سن العمل والعاطلين حالياً، ليست دقيقة، ومعظم المتوافر هو رقم يجمع بين العاطل الحقيقي عن العمل، والباحث عن العمل الذي يرغب في ترك وظيفته ليبحث عن وضع أفضل وراتب أفضل، وهو بلاشك طموح مشروع، ومع ذلك فصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، عمل على توفير فرصة العمل للجميع، فبمجرد إقراره لتوفير 20 ألف وظيفة في قطاعات الطيران والبنوك والاتصالات والتأمين والقطاع العقاري، خلال ثلاث سنوات، فهذا يعني تلقائياً إنهاء المشكلة جذرياً، حيث من المؤكد أن العدد الحالي للعاطلين الحقيقين هو أقل بكثير من هذا الرقم!
المشكلة ليست في عدد الوظائف المتاحة للمواطنين، المشكلة الحقيقية تكمن في تهيئة هذه الوظائف لتتناسب مع طبيعة المواطنين، وأقصد بذلك مزاياها ورواتبها وضماناتها، بحيث لا يشعر المواطن العامل في القطاع الخاص بالفرق الكبير بينه وبين نظيره المواطن العامل في الحكومة، وهذه المشكلة تحديداً هي أكبر تحدٍّ يواجه توظيف المواطنين في القطاع الخاص، لذلك لم يغفل عنها محمد بن راشد، ولم يتجاهلها، وهو يدرك أن هناك كلفة يجب أن تتحملها الحكومة لتساعد شركات القطاع الخاص في استيعاب المواطنين، فقرر بكل جرأة تحمل هذه الكلفة، فكان الحل الأمثل الذي يضمن بقاء واستمرار توظيف المواطنين في هذا القطاع، من دون تذمر من الشركات التي تعتبر أن توظيفهم يشكل عبئاً اقتصادياً عليها، فكان قرار إجراء تعديلات قانونية لمساواة المواطنين في القطاعين الحكومي والخاص، في احتساب راتب التقاعد وفي ضم الخدمة، واعتماد صندوق بـ300 مليون درهم لتدريب 18 ألف مواطن، وتخصيص جزء من عوائد الضريبة لدعم ملف التوطين، وتدريب 8000 مواطن سنوياً بمكافآت مدعومة من الحكومة!
والأهم من ذلك أن سموه قرر قصر الوظائف الإدارية والإشرافية في القطاع الحكومي على المواطنين، في حين أن المجال مفتوح في الوظائف التخصصية والنادرة للجميع، كما تم تحديد 160 وظيفة في القطاع الخاص تكون الأولوية فيها للمواطنين، وهذا حق تملكه الحكومة، بعد أن لاحظت وجود أعداد كبيرة من مواطنيها الأكفاء يمكنهم أن يعملوا بكفاءة واقتدار في هذه المجالات، وبشكل لا يقل جهداً وإنتاجية عمن سواهم.
هذه القرارات لم توضع فجأة، وهي ليست عشوائية، ولا عاطفية، بل هي مرحلة جديدة من سلسلة مراحل سابقة، جميعها كانت ترتكز على تشجيع القطاع الخاص على توظيف المواطنين، وإعطائهم فرصة كافية لتدريبهم وتأهيلهم وتوظيفهم، لكن السنوات الطويلة الماضية أثبتت أن استجابة القطاع الخاص لم تكن بقدر التسهيلات والمزايا التي تمنحها حكومة الإمارات له، لذلك كان لابد من الدخول في مرحلة أخرى أكثر وضوحاً لتصحيح مسار خطة توظيف المواطنين في هذا القطاع الحيوي المهم، لذلك جاءت جميعها مركزة، وتعالج المشكلة من جذورها، ولاشك أن المرحلة المقبلة ستشهد تطوراً لافتاً في هذا الملف.
هكذا هي حكومة الإمارات، وهكذا هو محمد بن راشد، يخططون وينفذون برويّة وصمت، ولا يعملون بردة فعل سريعة، يعرفون كل مشكلة، وينتظرون الوقت المناسب لحلها جذرياً، ليسوا انفعاليين، ولا عاطفيين، ويعتمدون دائماً على الأساليب العلمية المدعمة بالأرقام الحقيقية، فالقرارات الحكومية لا تُبنى على العواطف فقط!
المصدر: الإمارات اليوم