كاتب إماراتي
لقد أحصيت خلال السنوات الأخيرة، فوجدت أن الإنتاج السينمائي في الإمارات ودول الخليج، ينحصر معظمه في موضوع وثيمة «الجن والسحر والشعوذة» وأفلام يقال عنها إنها أفلام رعب، لكنه رعب يُضحك، حتى الأفلام التي أنتجتها شركاتنا السينمائية الكبيرة، وبميزانيات عالية، وفريق فني أجنبي مستورد، مثل فيلم «جن» الذي ظهر كأضعف ما أنتج من أفلام الرعب عالمياً، فما عاد صرير الباب يخوف المشاهد، ولا الرعد عند النافذة المفتوحة، تلك مشاهد كلاسيكية تجاوزتها السينما العالمية، وإنتاجها، فأفلام الرعب في أميركا وأوروبا وحتى السينما في هوليود تجدها ذات تقنية عالية من القصة إلى التمثيل إلى المكياج والإضاءة والموسيقى والمؤثرات البصرية والسمعيّة، وفيها جهد مبذول، بحيث يخرج المشاهد، وهو تعب من السينما، وتحت ضغط عصبي لم يحس به إلا بعد انتهاء الفيلم، والذي عادة يتسم بنهاية شبه موحدة أن الشر باقٍ، وأن الشرير لم يمت في نهاية الفيلم، وربما هناك تكملة لجزء تالٍ إذا ما حقق الفيلم الإقبال والانتشار والدخل المالي.
اليوم أشعر أن كل مخرج جديد عندنا، إذا ما أراد أن يبدأ تجربته الأولى سينمائياً، يختار موضوعاً يعده مثيراً عند المتلقي، ويخوض في المسائل الغيبية، مثل السحر والشعوذة والجن والمارد، ويعتقد بـ «توليفة» سينمائية أحياناً ساذجة، أنه يحقق شيئاً ذا قيمة فنية، لكن لو نُظر لها بعين أوروبية أو أميركية فاحصة فنياً، وناقدة، لكان الحكم قاسياً من كل جوانبه، فالفيلم الذي لا يتجاوز نفسه، هو فيلم مكرر للمرة العاشرة.
لا أريد أن أذكر أسماء الأفلام الإماراتية ولا الخليجية التي تناولت ثيمة الغيبيات في السنوات الحالية والفارطة، واشتغلت على الجن والسحر والأشياء الروحية، والتي بلغت نسبياً سبعين في المائة من الإنتاج القصير والطويل، لموضوع قديم ويتجدد داومت عليه السينما العالمية، وأنتجت أعمالاً بارزة بعضها حقق الانتشار العالمي، وبعضها الآخر حقق المردود المالي، وبعضها ظل حبيس العرض الأول الباهت أو نشوة المغامرة الأولى لمنتجين ومخرجين لن تتكرر.
سؤال دائماً يتردد حين أرى إعلانات الأفلام العربية أو الخليجية أو المحلية عن أول فيلم رعب إماراتي حقيقي، أو أقوى أفلام الرعب عربياً أو لا تدخل هذا الفيلم لوحدك، يتملكني الشك، وأكاد أن أضحك، لأنني أعرف النتيجة مسبقاً، فما زلت أتذكر.. حين ضُحك علينا قبل سنوات عن أول فيلم عربي «مصاص دماء» وظهرنا بعده مشفقين على من عمل هذا الفيلم الرديء بدرجة امتياز لن تتكرر، حتى مشهد الدم لونه غير مقنع!
هناك متسع في الحياة، وقصص مختلفة تخص الإنسان وصراعه اليومي مع الحياة الواقعية، وتعقيداتها العصرية، بعيداً عن «حمارة القايلة» و«أم دويس» و«الطنطل» و«بابا درِّياه» و«أم كربة وليف» و«النَعَّاقة» و«أم إيهلان» و«أم الصيبان»، غوصوا في المجتمع، وقصص الناس الحقيقيين، ومكابداتهم في زمنهم القديم أو حاضرهم اليوم، فالرعب ليس مكانه الظلام فقط!
المصدر: الاتحاد