بدأت التحقيقات في تفجيري السفارة الإيرانية في بيروت تكشف شيئاً فشيئاً معلومات عن هوية الانتحاريين اللذين نفذا عملية التفجير المزدوج، في وقت حذّر رئيس الجمهورية ميشال سليمان عشية احتفال لبنان بذكرى استقلاله، من أنه «لا يمكن أن تقوم دولة الاستقلال إذا ما قررت أطراف أو جماعات لبنانيّة بعينها، الاستقلالَ عن منطق الدولة، أو إذا ما ارتضت الخروج عن التوافق الوطني، باتخاذ قرارات تسمح بتخطّي الحدود والانخراط في نزاع مسلّح على أرض دولة شقيقة وتعريض الوحدة الوطنيّة والسلم الأهلي للخطر. كذلك لا يترسّخ الاستقلال إذا لم يستقلّ القضاء عن كل أوجه الترغيب والترهيب، وما لم يتم التوقف عن ممارسة الضغوط عليه، كما حصل أخيراً».
وفيما اشاد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز، في برقية تهنئة الى الرئيس سليمان لمناسبة ذكرى الاستقلال، بتميز العلاقات السعودية – اللبنانية، طلب السفير السعودي في بيروت علي عواض عسيري من رعايا المملكة مغادرة الاراضي اللبنانية نظرا الى الاوضاع الامنية الحالية.
وأظهرت التحقيقات الأولية في تفجيري سفارة ايران حتى الآن، وفق مصادر قضائية معنية بالتحقيق، أن الانتحاريين ليسا لبنانيين، ومكثا في فندق «شيراتون فور بوينتس»، الذي يقع عند تقاطع كورنيش المزرعة – يونيسكو (يبعد عن مقر السفارة الإيرانية أكثر من كيلومتر واحد بقليل)، وذلك قبل أربعة أيام من تنفيذ العملية باستعمالهما هويتين لبنانيتين مزورتين. وقالت المصادر إن الأجهزة المعنية بالتحقيق دخلت الغرفة التي شغلها المفجران في الفندق وعثرت بداخلها على أغراض خاصة بهما، لكنها قالت إنها «ليست بالشيء المهم»، وعملت على رفع البصمات من الغرفة.
وطلب مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي صقر صقر من إدارة الفندق تزويده كاميرات الفندق من الداخل ومن الخارج خلال الأيام الأربعة التي أمضاها الانتحاريان في الفندق حتى تاريخ مغادرتهما. وأكدت المصادر أن لا موقوفين لدى مخابرات الجيش في القضية.
وأوضحت المصادر أن التحقيق في شأن السيارة التي فجرها الانتحاري بنفسه توصَّلَ إلى معلومات حول مسارها، وأنها كانت مستأجرة ونُقلت إلى سورية بواسطة شخص بعد استئجارها قبل أن يصار إلى إدخالها مجدداً إلى لبنان وتنفيذ العملية الانتحارية بواسطتها.
ونعت المديريّة العامة لقوى الأمن الداخلي امس، العريف هيثم أيوب، الذي «أثناء تكليفه مهمة تأمين سير أمام وزارة الزراعة في منطقة بئر حسن (قبل مقر السفارة الإيرانية)، شاهد سيارة رباعية الدفع تصدم إحدى السيارات التابعة للوزارة وتلوذ بالفرار، فلحق بها سيراً على الأقدام مع أحد المواطنين، وقام بفتح الباب محاولاً توقيف السائق، عندها أقدم الأخير على تفجير المركبة، ما أدى إلى استشهاد العريف».
وشهد محيط السفارة السعودية في بيروت امس، إجراءات أمنية مشددة، في وقت أكد السفير عسيري أنه «نظراً إلى خطورة الوضع في لبنان، حضت السفارة رعاياها على مغادرة هذا البلد حرصاً على سلامتهم»، مشيراً إلى أن «الدعوة هي في إطار حرص المملكة على سلامة رعاياها، ولم تتلق السفارة أي تهديدات أمنية».
ويحتفل لبنان اليوم بالذكرى السبعين لاستقلاله بإقامة عرض عسكري في بيروت. وللمناسبة بعث
خادم الحرمين الشريفين ببرقية الى الرئيس سليمان، اشاد فيها «بتميز العلاقات التي تربط بين السعودية ولبنان وشعبي البلدين»، مؤكداً، أن «الجميع يسعى لتعزيزها وتنميتها في المجالات كافة». كما بعث ولي العهد الامير سلمان برسالة مماثلة الى الرئيس اللبناني.
وخاطب سليمان في رسالة عالية النبرة «الشعب، مصدر السلطات»، معتبراً أن «الأزمة الوطنيّة المستجدّة، التي تشلّ عمل المؤسسات، ومعها مصالح الناس، تطرح أسئلة مقلقة عن حقيقة الاستقلال ومعانيه، وسلامة الممارسة الديموقراطيّة في لبنان، ومدى قدرتنا على إدارة أنفسنا بأنفسنا، لا بل حول طبيعة النظام ومدى ملاءمته لتحقيق الخير العام».
ورأى أنه «يصعب الحديث عن الاستقلال إذا ما عجزنا عن تنظيم الانتخابات النيابيّة وتشكيل حكومة جديدة والجلوس من جديد إلى طاولة الحوار من دون التنكّر لما توافقنا عليه سابقاً، أو إذا ما فشلنا العام المقبل في إجراء انتخابات رئاسيّة ضمن المهل الدستوريّة»، متوقفاً عند «موجة التفجيرات المخزية، وآخرها التفجير المُدان الذي استهدف السفارة الإيرانية وأدى إلى قتل وجرح عشرات الأبرياء، ليؤكّد ما بات يتهدّد الوطن من مخاطرِ فتنةٍ وإرهابٍ مستورَد».
وشدد سليمان على أنه «لا يستقيم الاستقلال ويُعتبَر ناجزاً إذا ما استمررنا في ترسيخ الطائفيّة في النفوس، وإذا لم ننجح في تحييد أنفسنا عن التداعيات السلبيّة للأزمات الإقليميّة، من طريق رهن مصالح لبنان العليا بالمشيئة الإقليميّة أو بالإملاءات والمصالح الخارجيّة». واعتبر أنه «لا يجدر الحديث عن الاستقلال إذا ما عجزت الدولة عن نشر سلطتها الحصريّة على كامل تراب الوطن، وضبط البؤر الأمنيّة، وقمع المخالفات ومحاربة الإرهاب، وإذا لم تكن القوات المسلّحة الممسكة الوحيدة بالسلاح والناظمة للقدرات الدفاعية بإشراف السلطة السياسية».
واستعاد سليمان بعض الإنجازات، وناشد «أهل السياسة وأصحاب القرار عدمَ السماح بإيصال البلاد إلى حالٍ من الفراغ، في ظلّ مجلس نيابيّ ممدّد له وحكومة تصريف أعمال لا تمثل كل اللبنانيين. ولا يدفعنّكم أحد إلى المكابرة أو المغامرة في الشأن الوطني، فالمغامرة كالمقامرة، لا تحسب حساباً للخسارة، ونحن شعب لم يعد يتحمّل عبء الخسائر المجانيّة والحروب العبثيّة والمجازفات».
ورأى وجوب «ألاّ تكون الأشهر التي تفصلنا عن الاستحقاق الرئاسي أشهر مراوحة وانتظار. بل أشهر حراك سياسي وحوار وقرار، فالتزام إعلان بعبدا من أجل تحييد لبنان عن التداعيات السلبيّة للأزمات الإقليميّة والانسحاب فوراً من الصراع الدائر في سورية وإقرار قانون انتخاب عصريّ منصف جديد والتوافق على آليّة لتحصين نظامنا الدستوري وترشيده، كذلك إقرار مشروع قانون حول اللامركزيّة الإداريّة؛ تشكل مع تلبية حاجات المواطنين وإنشاء الهيئة المستقلّة للمخفيين قسراً والمفقودين، عناوين رئيسيّة ومحفّزة للمرحلة المقبلة».
ونبه إلى أن «طبيعة النظام في لبنان وفلسفة كيانه وخصال اللبنانيين، المطبوعين على الانفتاح والثقافة والحوار، لا تأتلف مع سياسات العزل أو الهيمنة أو القهر أو التطرّف، أو مع أيّ فكر شمولي وأحادي رافض للآخر».