كاتب سعودي
قدر السعودية الدائم أن تكون في قلب هذا العالم المضطرب، فمنذ 1902، العام الذي فتح فيه الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود أبواب المصمك، وأطلت مملكته منه على العالم والرياض هي قلب الإقليم العربي ونقطة اتصال بين الشرق والغرب وجسر بين الإسلام والديانات الأخرى خارجه.
خلال الأسابيع الماضية عقدت قمة العشرين الأهم في هذا العالم، وسبقها مجلس التنسيق السعودي العراقي، وزار الرياض مايك بومبيو وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية، وكذلك مستشار الرئيس الأمريكي جاريد كوشنير، كنتيجة لهذا الموقع المستحق والمكانة السياسية الرفيعة لقادتها.
السعودية في كل تاريخها السياسي لعبت أدواراً قيادية ورئيسية في تحصين فضائها الخليجي والعربي والإسلامي ضد أي محاولة للاختراق، وقد جابهت من أجل ذلك حملات الناصريين أمنياً وإعلامياً وهم أهل الإعلام وسادته في الخمسينات والستينات، فضلاً عن مؤامرات البعثيين والشيوعيين العرب الذين ارتموا في أحضان السوفييت الشيوعية وعينهم على الرياض، ثم الإيرانيين الفرس والإيرانيين العرب، مروراً بصدام وتهوره العسكري، وأخيرا وليس آخرا بعض عرب الشمال المخاصمين لبدو الجزيرة، والذين اختطفوا المنصات الإعلامية العربية وجيروها لصالح الكراهية وتأجيج العداوات.
لم يكن ما واجهته المملكة طوال تاريخها مجرد اختلاف في الآراء ولا سياسات أخرى لا تناسب الرياض وخطها، بل كانت أزمات كبرى هددت أمنها واستقرارها واستهدفت تماسكها، ومع ذلك اختطت الرياض لنفسها طريق الحكمة وتواضع الكبار.
هل نتذكر حرب اليمن بعد ما يسمى بالثورة ضد الإمامية وقصف طائرات عبدالناصر للمدن والقرى السعودية بالنابالم، هل نتذكر حرب الوديعة واجتياح اليمن الجنوبي للمنافذ الحدودية واختراقهم لها باتجاه المدن السعودية، نعم تصدت لها الرياض ودحرتها، لكنها كانت علامات فارقة تؤكد أن العدو لن يقف خلف ميكرفون الإذاعة.
اختطاف الدبلوماسيين والوزراء السعوديين وقتل الكثير منهم، كان إحدى الفواتير التي دفعتها الرياض مقابل مواقفها وقيمها العروبية والإسلامية، بالطبع لن ننسى حروب الإرهاب التي واجهتها المملكة منذ تفجيرات اليمنيين في الستينات، ثم إرهاب طهران في المشاعر المقدسة، وكذلك انفجار الخبر ثم عمليات القاعدة العسكرية في المدن والشوارع السعودية.
حاولت الرياض منذ إنشاء مجلس التعاون الخليجي أن يكون «درع الجزيرة» الحصين، خصوصاً مع ظروف إنشائه بداية الثمانينات فالثورة الإيرانية على الأبواب والحرب العراقية الإيرانية تستعر، وكذلك تحديات كبرى أخرى فاقت بكثير الأزمة الحالية، ومع ذلك استطاع المجلس العبور عبر تلك العواصف.
لم تكن الأزمة القطرية الحالية التي اندلعت على مرتين العام 2013، و2017، مختلفة عن أي تحد آخر واجهته المملكة بالدبلوماسية والحل السياسي لأنه في نهاية الأمر «خارطة طريق» على الجميع اتباعها في حل قضايا المجلس.
اليوم يجد مجلس التعاون يعيش نفس التحديات بألوان وأشكال أخرى.. قوى إقليمية تعيش على تخومنا لا هم لها إلا محاولة مد نفوذها وإذا تمكنت فلن تتوانى عن الاستيلاء على خيرات المنطقة، إنها حالة من الاصطفاف الإقليمي في مواجهة الخليج وثرواته.
مجلس التعاون الخليجي بنى خلال العقود الماضية كياناً إقليمياً مهماً، لكنه أبداً لم يتخل عن علاقاته المتينة مع العالم العربي وخاصة الشقيقة العربية الكبرى مصر، وهي من هي في المكانة والتأثير، مصر التي كانت حاضرة بأكثر من 35 ألف مقاتل في حرب تحرير الكويت، وهي القوى الأمنية الأولى مع الرياض في أمن البحر الأحمر، وهي من يحافظ على الفضاء العربي في البحر المتوسط، ولذلك من الضروري إبقاء هذه العلاقة الإستراتيجية حية وثرية.
أما المملكة فقدرها أن تكون السور العالي «المرتفع» ببنائه وتغاضيه، وبدورها الأكبر في مسيرة العمل المشترك، ولعلنا نتذكر هنا رؤية الملك سلمان بن عبدالعزيز الإستراتيجية التي أطلقها العام 2015، لبناء مجلس تعاون يحقق تكاملاً منشوداً، وهي الرؤية التي ضمنت في حال تنفيذها تكاملاً اقتصادياً وسياسياً وأمنياً وعسكرياً.
وسيبقى مجلس التعاون الخليجي على الرغم من تغير الظروف الإقليمية واختلاف الأفكار والرؤية لمواضيع عديدة وملفات ساخنة في المنطقة والعالم بين عواصمه، الخيار الإستراتيجي الذي لا مناص من وجوده للحفاظ على عروبة الخليج ومكتسبات شعوبه المتجانسة.
المصدر: عكاظ