مؤسسة ومدير ة دار ورق للنشر في دبي وكاتبة عمود صحفي يومي بجريدة البيان
على بعض مواقع التواصل الاجتماعي مجموعة حسابات رائعة لشباب إماراتيين وخليجيين، يهتم أصحابها بتسجيل تجاربهم ورحلاتهم وتنقلاتهم عبر المدن والدول والأمكنة التي لم يسمع بها أحد أحياناً، هؤلاء الشباب معروفون وأصحاب جماهيرية كبيرة على تطبيق «سناب شات» مثلاً، وفي الحقيقة ومن خلال متابعتي لهذا التطبيق وجدته الأكثر ملاءمة لروح العصر ولروح الشباب، لذلك فلا عجب أن يسجل حضوراً واهتماماً كبيرين في أوساط المراهقين والشباب تحديداً، وهنا فأنا أنظر إلى من يوظف التطبيق بشكل إيجابي وفعّال!
علينا أن نعرف أن مواقع الإعلام الاجتماعي المنتشرة بشكل لافت بين الناس لا تعطي تصوراً حقيقياً لحجم التأثير الذي يمارسه المسجلون على هذه المواقع، بمعنى أنه إذا كان لملايين العرب من الجنسين حسابات على «تويتر» و«فيسبوك» و«سناب شات» و«إنستغرام» (المواقع الجماهيرية الأشهر والأكثر جذباً)، فذلك لا يعني بالضرورة أن هذه الملايين جميعها تقدم شيئاً ذا قيمة أو ذا تأثير، إن ثلاثة أرباع هذه الحسابات إما خاملة أو متفرجة أو مسجلة لإثبات الحضور والوجود، أو للمراقبة أو لأسباب أمنية، أو لإثارة الفتن والخلافات بفتح نقاشات وهمية، أو لنشر الإشاعات والخرافات والأخبار المضللة، أو لأغراض التجارة والبيع والشراء، أو للنصب والاحتيال، أو لإقامة علاقات مشبوهة أو… إلخ.
بين كل هذا الغث هناك بلا شك سياسيون وشعراء وكتّاب وصحفيون وناشطون في مجالات إنسانية وطبية وحقوقية، وهناك أدباء وتربويون ومهتمون بالثقافة والعلم ومواطنون يشاركوننا تجاربهم القيّمة وغير ذلك، لكن الأبرز مما أردت الإشارة إليه هم الشباب الرحالة الذين يجوبون العالم بحقائب ملقاة خلف ظهورهم وبشغف للحياة والاكتشاف والمعرفة والبهجة يملأ قلوبهم، هؤلاء مجموعة متفرقة لا يربط بينهم أي رابط تنظيمي من بلدان متعددة، يجوبون بلاداً مختلفة، يسجلون ملاحظاتهم وانطباعاتهم والمعلومات التي يمكن أن تهم السائح أو المسافر أو الذي يفكر في السفر، فيختصرون عليه الكثير من الأخطاء والمطبات، وهذا أمر رائع في حد ذاته!
هذه الرحلات وتسجيلها بالصوت والصورة يمكن اعتبارها إضافة حقيقية لأدب الرحلات الذي برع فيه العرب منذ أيام الإدريسي وابن بطوطة وابن جبير الأندلسي، وسجلوا ما شاهدوه خلال سنوات من الرحلة في مجلدات، اليوم تختصر التقنية كل شيء، السنوات وجهود التوثيق، وتضع الدنيا بين أيدينا بكل بساطة وباهتمامات شباب صغار نظروا إلى التواصل الاجتماعي بشكل إيجابي يستحق التقدير، ووظّفوه بشكل يستحق التحية بدل هؤلاء الذين لم يروا في مواقع التواصل سوى وسيلة للتشاتم والصراع!
المصدر: البيان