لقي مئات من الجنود الإثيوبيين والإريتريين حتفهم في أسوأ صراع تفجر من جديد بين البلدين، منذ حربهما الحدودية في 1998 – 2000، وتأتي هذه الموجة الأخيرة من العدائيات بين البلدين بعد 16 عاماً من وقف إطلاق النار في حربهما على الحدود. ويتهم كل طرف الآخر ببدء العمليات العسكرية، وهي ادعاءات يصعب التحقق منها، ويبدو أن الحدود بين البلدين، التي لم يتم ترسيمها بعد، عبارة عن قنبلة قابلة للانفجار في أي لحظة، ويبدو أيضاً أن المجتمع الدولي اختار أن يتجاهل ذلك.
وخلّفت هذه الحرب الحدودية منذ تفجرها في تسعينات القرن الماضي نحو 80 ألف قتيل، وهذه المطالبات الحدودية تأتي إلى حد كبير في أعقاب استقلال إريتريا عن إثيوبيا، على الرغم من أن هذه البلدات الحدودية المتنازع عليها، ليست لها قيمة اقتصادية كبيرة، حيث وصف أحد السياسيين هذه الحرب وصفاً بليغاً بقوله إنها «مثل رجلين أصلعين يتقاتلان على مشط». وبعد الهجوم النهائي الذي قادته إثيوبيا، توقفت الحرب ووقعت الدولتان على اتفاق الجزائر لتنفيذ وقف إطلاق النار.
وفي أبريل من عام 2002، تم تشكيل لجنة من خمسة أعضاء في لاهاي لترسيم الحدود بين البلدين، صادق على أعضائها كل من الحكومتين الإثيوبية والإريترية، حيث أصدرت اللجنة قرارها بترسيم الحدود بشكل سلمي ودائم. إلا أن السؤال الشائك هو من أين تبدأ هذه الحدود بين البلدين. فقد التهمت إثيوبيا عام 1962 إريتريا، هذه المستعمرة الإيطالية السابقة، التي خاضت حرب تحرير لمدة 30 عاماً ضد أديس أبابا، ونالت استقلالها في عام 1991، لتعود إلى أرض المعركة بعد سبع سنوات فقط عندما اندلع القتال على حدودها مع إثيوبيا.
وكانت نتائج لجنة ترسيم الحدود واضحة، ففي حين تم إلحاق بعض المناطق المتنازع عليها بإثيوبيا، فإن منطقة بادمي، التي كانت تعتبر بمثابة نقطة ساخنة في الحرب، تم ضمها إلى إريتريا. وخلصت اللجنة إلى أن إريتريا هي التي بدأت بالأعمال العدائية ـ وهو الادعاء الذي تنفيه أسمرا بقوة – ولكن في ما يتعلق بمطالبتها ببادمي فإن إريتريا على حق.
لكن المشكلة أن القوات الإثيوبية احتلت بالفعل بادمي والسهول المحيطة بها، وتعلم أديس أبابا أن شعبها من شأنه أن يحكم بقسوة على أي اتفاق يدعو إلى الانسحاب من هذه الأراضي التي احتلتها على حساب الآلاف من الأرواح الإثيوبية. لذلك قبلت الحكومة الإثيوبية بقرار لجنة الحدود، لكنها دعت إلى حوار على تنفيذ القرار، وبقيت قواتها على ما اعترفت اللجنة بأنها أراضٍ إريترية.
وهذه هي النقطة التي توقفت عندها الأحداث لـ14 عاماً والتي شهدت توتراً شديداً منذ ذلك التاريخ، حيث إن كل طلقة يتم إطلاقها على رعاة الماشية، وكل حركة من القوات أو المعدات ترسل أجراس الإنذار في جميع أنحاء المنطقة.
والسؤال الذي يطرح نفسه هو: ما أسباب الاشتباك الذي وقع، أخيراً، في الوقت الذي لا تستفيد الدولتان من تجدد هذا النزاع؟
وزير الإعلام الإثيوبي، جيتاشيو رضا، يعتقد أن الهجوم جاء من إريتريا لتحويل الانتباه عن تقرير جديد من الأمم المتحدة، يتهم إريتريا بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، بما في ذلك التجنيد الإجباري إلى أجل غير مسمى. وتلمح تعليقات رضا أيضاً إلى أن إريتريا هي التي بدأت حرب الحدود لإضفاء الشرعية على حاجتها للمجندين، ولكسب التأييد المحلي. وفي سياق مماثل، يزعم سفير إريتريا لدى كينيا، بييني رسوم، أن الهجوم جاء من إثيوبيا أملاً في الاستفادة من إشارة الأمم المتحدة السلبية، التي تتهم فيها إريتريا. ويضيف السفير رسوم أن تقرير الأمم المتحدة عبارة عن كذبة، وبالإضافة إلى ذلك، أخبر مستشار الرئاسة الإريترية، يماني غبرياب، مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بأن إثيوبيا تستعد لبدء حرب واسعة النطاق. وفي الواقع، صرح رئيس الوزراء الإثيوبي، هايله مريم ديساليغنه، مرات عدة، أخيراً، علناً بأنه على استعداد لاستخدام القوة العسكرية ضد إريتريا رداً على «استفزازاتها».
المصدر: الإمارات اليوم