إعلامي سعودي
ما لا قد يبدو معقولاً وقع. الكونغرس الأميركي، بمجلسيه النواب والشيوخ، أقر تشريعًا يسمح لأسر ضحايا هجوم 11 سبتمبر (أيلول) بمقاضاة الحكومة السعودية على الأضرار التي لحقت بهم. غير المعقول أن تُتهم أكثر دولة استهدفها تنظيم القاعدة، هاجمها التنظيم منذ عام 1995، أي سابقة لهجمات 11 سبتمبر بست سنوات، بتفجير في الرياض. ويوجد كم كبير من البيانات وأشرطة الفيديو يعلن فيها قادة «القاعدة»، قبل هجماتهم على نيويورك، أنهم يعتبرون السعودية والولايات المتحدة عدوي التنظيم.
الفكر المتطرف هو اللوم الوحيد الذي يستخدم ضد الحكومة السعودية في أفعال «القاعدة»، لكن السعودية مذنبة بالقدر نفسه الذي يماثل ذنب شركة «غوغل» أو «فيسبوك» أو «تويتر» أو «يوتيوب»، لو اتهمت بأنها مسؤولة عن أفعال تنظيم داعش، لأن هناك من يفكر أو يعبر عندها عن آراء متطرفة!
ومن السخف اتهام أي حكومة بجريمة لوجود فكر متطرف، لأنه سينطبق على كثير من دول العالم. ففي فرنسا، وبريطانيا، وهولندا، مثلاً، متطرفون لا يقلون تشددًا وبدائية عن متطرفي السعودية. إنما المسؤولية تصبح ملزمة لو كانت السلطات الرسمية طرفًا في إدارة التنظيمات الإرهابية، أو التهاون معها، وهذا لا ينطبق على السعودية، ولا فرنسا، ولا «فيسبوك»، وغيرها من المجتمعات الحقيقية والافتراضية.
وفي محاولة لفهم التطور الذي حدث، كيف تطورت التهمة غير المعقولة من مقالات صحف وتصريحات عابرة إلى مشروع قانون خطير يهدد دولة؟ أنا أعتبر أن السبب الرئيسي يعود إلى فشل في التواصل بين الجانبين، رغم العلاقة القديمة والجيدة. حدث فشل، وخلط، في فهم ظاهرة التطرّف الديني المنتشر، وتيار الإرهاب كحركات شعبية، والإسلام كدين، والمسلمين كأتباع، والمتطرفين من المسلمين، والحكومات الإسلامية. هذه العناصر يسهل الخلط بينها، ولعبت دورًا في تبسيط المشكلة واعتبار السعودية بلدًا إسلاميًا محافظًا مسؤولاً عما حدث، بغض النظر عن التفاصيل المهمة.
وهذا القرار، وما سيلحقه بالعلاقات، نموذج على خطر فشل التواصل بين بلدين كانا في يوم قريب حليفين تقريبًا في كل شيء.
في رأيي، السعودية ارتكبت خطأ واحدًا؛ أنها ركنت فقط على الجانب الدبلوماسي لمعالجة قضاياها مع الولايات المتحدة. وهذا الأسلوب يصلح مع الدول ذات الأنظمة المركزية التي تتحكم فيها قيادة واحدة، مثل روسيا أو الصين، لكنها لا تكفي في الدول الغربية ذات القوى والسلطات المتعددة. فرئيس الوزراء البريطاني المتنحي حديثًا، ديفيد كاميرون، استخدم كل علاقاته وصداقاته لردع مواطنيه عن التصويت، بإخراج بلادهم من الاتحاد الأوروبي، لكنه فشل. حتى إنه استعان برئيس الولايات المتحدة، باراك أوباما، الذي خاطب البريطانيين يرجوهم التصويت ضد الخروج، ولم يستمعوا إليه.
صورة السعودية تختلط في ذهن حتى أقرب الناس إليها، أهي محافظة أم متطرفة؟ في حين أن السعودية هي أكثر دولة في العالم تحارب «القاعدة» و«داعش»، وهي أكثر بلد أقدم على اعتقال كل من له علاقة بالتنظيمات الإرهابية، أو حتى فكر أن يبني علاقة معها، أو جرب أن يسافر إلى مناطق الحروب. في السجون السعودية يقبع الآلاف من المدانين بالإرهاب، بينهم محرضون على العنف، ورجال دين أفتوا مؤيدين لـ«القاعدة»، وإعلاميين برروا للعنف، ورجال أعمال قدموا أموالاً لتنظيمات تصنفها الأمم المتحدة إرهابية. وهناك آخرون أوقفوا عن العمل بسبب تأييدهم «القاعدة». في المقابل، مثل هؤلاء طليقون يعيشون حياة سعيدة في دول مثل بريطانيا وفرنسا وألمانيا من دون حساب!
خطأ كبير ارتكبه مجلسا الشيوخ والنواب في الكونغرس عندما وافقا على قانون ما يسمى «جاستا»، وهو اختصار «تطبيق العدالة على داعمي الإرهاب»، فالسعودية فعليًا هي مفتاح محاربة الإرهاب، فكرًا ووسائل، ومن دون مشاركتها فإن وضع العالم لن يكون سهلاً.
ومهم التفريق، وعدم الخلط، بين الإرهاب والمحافظة الدينية، مثل نقاب المرأة ومنعها من القيادة، وغيرها من الإشكالات الاجتماعية التي يعاني منها المسلمون اليوم، وتعبر عن صراع بين الإسلام القديم المحافظ والإسلام المعاصر، وهو صراع موجود داخل المجتمع السعودي نفسه يناقش علانية، لكنه أمر لا علاقة له بالإرهاب. ومعظم فكر الإرهاب جاء مع الثورة الإسلامية في إيران، وليس من السعودية، فآية الله الخميني وحكومته، بعد الثورة، أول من شجع على استخدام العنف باسم الدين، وهي التي أحيت من التاريخ القديم فكرة الاستشهاد، وهي التي روّجت لثقافة الحرب الدينية على الغرب. وإذا استثنينا حرب أفغانستان، فإن السعودية لم تكن طرفًا في كل هذه الأحداث التي عاثت في العالم إرهابًا، وجريمة الحادي عشر من سبتمبر كانت واحدة منها.
*نقلاً عن “الشرق الأوسط”