يرتجف العالم منذ بداية القرن الواحد والعشرين، جراء الشعور بالتلوث الذي أصاب البيت البشري، حيث يتسع ثقب الأوزون وتسيل دموع القطب المتجمد والغيمة تخلع قميصها المبلل، وفي ظل هذه الفوضى البيئية وانعكاسها على مشاعر الناس، تناسى العالم بأن هناك تصحراً أخطر وأكثر بلاءً على الإنسانية، ألا وهو التصحر الوجداني، فاليوم أينما تولي وجهك تسمع عن القتل والتدمير والخراب النفسي، لأن العاطفة البشرية أصيبت بجفاف تيبست على إثره نياط القلب ولم تعد تنبض بالحب، بل إن القلوب البشرية أصبحت مجرد نتف جلدية معلقة على ضلوع الصدر، وكل ما يحدث في العالم من سيول دموية لا تهز شعرة في الضمير الإنساني؛ لأن التصحر الوجداني قبض على اخضرار القلوب وحولها إلى مضغ جافة، لا إحساس فيها ولا سمع ولا بصر.
اليوم، مشارق الأرض ومغاربها تكوى بنيران الأحقاد والأفكار السوداوية والمشاعر التي تحولت إلى نشارة خشب، والأحياء أموات تأخر دفنهم.
لو جفت مياه الأنهار والمحيطات، يستطيع الإنسان أن يستخدم عقله ويجلب الماء بوسائل إبداعية يدله عليها عقله العظيم، ولكن عندما يصيب التصحر المشاعر، فهنا تكمن المعضلة، لأنه لا سلطة للعقل على قلب الإنسان عندما يتوارى خلف ركام من الكراهية، وعندما تنطفئ نجوم الوعي ويصبح الكائن البشري آلة صدئة، بل أحفورة تائهة تحت رمال الجهل البشري.
العالم اليوم بحاجة ماسة إلى عقد اجتماع دولي يحضره الأطفال قبل الكبار، ليسرد هؤلاء الصغار قصة الحب عندما تكون الصدور مضاءة بالعفوية، وعندما لا تكون القلوب مكتظة بالأفكار المسبقة والتطرف والتعلق بأفكار ربما تكون من عهد عاد وثمود، ولكن الناس لا يزالون يتمسكون بها، حتى أصبحت جزءاً لا يتجزأ من حياتهم، بل إنهم يشعرون بأن التخلي عنها وكأنه التخلي عن الحياة.
تصحر القلوب معضلة العصر، وكل ما يصيب البشرية من جوع وفقر وشظف ليس سببه تصحر البيئة، وإن كانت العلاقة مع هذا العنصر علاقة مباشرة، ولكن ما يجعل الحياة أكثر خطراً هو ذلك اليباس الشعوري الذي استبد بالمشاعر وكرامة الإنسانية، وصارت الحياة على الأرض مبتلاة بالصراعات التي لا مبرر لها، سوى فكرة أنا ومن بعدي الطوفان.
ومن شديد هذا التكرار في المشاهد المأساوية أصبحت الصور الدامية تمر على العيون مرور الكرام، دون أن تحرك مشاعر الناس، لأن في التكرار يحدث استتباب العادة وتشبثها في الأفئدة، بحيث يصبح الأمر الغريب جزءاً من طبيعة الحياة، وهكذا ما عادت الدماء التي تغرق شاشات التلفزة تحرك ساكناً فينا، وما عدنا نلتفت إلى ما يحدث في العالم – مع الأسف.
المصدر: الاتحاد