مؤسسة ومدير ة دار ورق للنشر في دبي وكاتبة عمود صحفي يومي بجريدة البيان
من الواضح أن مشاعر التطرف والعنصرية الموجهة بسبب العرق أو الدين، آخذة في التصاعد يوماً بعد يوم لأسباب لم تعد خافية على أحد، هذه المشاعر التي باتت تعبر عن نفسها بقوة في الميادين والشوارع الرئيسية العامة في عدد من دول العالم وخاصة في أوروبا، ستفرض على حكومات هذه الدول مراجعة سياسات وأنظمة التعليم والعمل والهجرة وقوانين الحريات، كما ستفرض على طالبي اللجوء ومحبي السفر والسياحة أن يتمهلوا وهم يختارون وجهات سفرهم في المرة المقبلة.
لقد ظلت شعوب العالم العربي ودول العالم الثالث تنظر بشيء من الحسرة أو الدونية لنفسها وهي تقارن حقوق المواطن في دول أوروبا بمن (ليس) لديها من حقوق وحريات، ففي أوروبا يختار الناس كل شيء بدءاً بالرئيس وصولاً لأصغر التفاصيل، إنهم ينتخبون ويتظاهرون ويعلنون رأيهم في كل شخص وكل شيء، في السياسة والاقتصاد وسياسات الاتحاد الأوروبي وحلف الأطلسي والكنيسة والدين والعلمانية وتوجهات الإعلام…
ليس هناك شخص أو فكرة فوق النقد أو الهجوم. حدث ذلك منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية، وحتى اليوم، فلا تزال الحريات في الغرب مصانة والقانون هو الفيصل، لكن لا يمكن الرهان على ثبات الأوضاع، بعد أن تحول العالم إلى قرية صغيرة متواصلة فعلياً وافتراضياً.
إضافة إلى أن الحروب والنزاعات والديكتاتوريات السياسية، وانهيار الأوضاع في العديد من بلدان العالم الثالث، أدى إلى تزايد أعداد طالبي اللجوء السياسي والهجرة، في الوقت الذي يعاني فيه العالم من أزمات مهددة على مستوى المناخ وموارد الطاقة والغذاء و… إن أجيالاً من شباب أوروبا اليوم تعيش كل ذلك، موقنة أن هؤلاء المهاجرين يمثلون تهديداً حضارياً لمكونها الاجتماعي وهويتها الثقافية.
كما يشكلون ضغطاً على مواردها وقوانينها وثرواتها.. في الوقت الذي توجد جماعات أخرى تظهر في هذه الشوارع نفسها تستعرض ثرواتها وممتلكاتها، ما يفاقم مشاعر الاستفزاز والرفض لديهم وخاصة أن أوضاع المعيشة لديهم ليست في أفضل أحوالها! رئيس وزراء بريطانيا توعد مساء أمس المتظاهرين والمخربين في شوارع لندن، وأظن أن الأمر سيحتاج الكثير من حكومات أوروبا، إذا أرادت أن تحمي أمنها وقيمها وأجيالها، لأن التهديد لن يأتي بنتيجة!
المصدر: البيان