كاتب إماراتي
كنت أقلِّب جهاز التلفزيون الذي أحب دائماً أن استخدم ماركة واحدة منه في كل البيوت، لكي لا أتخربط في برمجته، وليكون فعلاً روتينياً لا معقداً، لذا أكره ما أكرهه أن يأتي أحد غريب ويعبث بجهاز التلفزيون، لأني قليل الحيلة مع أكثر من جهاز تحكم؛ واحد للتلفزيون، وواحد للمستقبل الهوائي، وواحد آخر لنظام مكبرات
الصوت، يأتي الفني ويلخص لك الأمور، ويبرمج لك القنوات المفضلة، والقنوات ذات الاهتمام، وأخيراً القنوات العامة، لكن الشغّالة وهي تنظف البيت تخلع قابس التلفزيون من المقبس، وتضع محله قابس المكنسة الكهربائية استسهالاً، وهي لا تدري أنها غيّرت كل شيء ذلك اليوم، أو يأتي ضيف، ويظل يقلّب في تلك القنوات، بحثاً عن نشرة الأخبار، فيخطف على تلك البرمجة المنظمة، والتي لا تحتاج إلى عناء، فقط بأزرار قليلة ومعروفة، وفي دقائق إذا بك تتفرج على ذلك الصندوق الذي ينقل لك الدنيا، مسترخياً على كرسيك الوثير، لكن تلك الجلسة لا يعكرها سوى أن يأتي أحد ويعبث بأزرار تلفزيونك، وعليك إعادة برمجته من جديد، لعلها حالة يشترك فيها الكثير، وهي تشبه حالة أن يركب أحد سيارتك، وخاصة الحرمة، فتغير نظام مقعدك، وتلصقه في المقود، وحين تهم أنت بالركوب لابد وأن تسبَّ، وإذا ما تذكرت أنها فعلة الحرمة تسبُّ وتغضب وتحلف.
المهم تلك المقدمة الطويلة هي للاستهلال والاستدراك، لأني كل مرة أتوقف عند اللغة التي تستعمل في التلفزيون، وكل الأجهزة الإلكترونية، حيث أرى العربية أنها ترجمة فورية آلية، لا يمكنك أن تفهم عليها، ولا يمكن أن تضبط لوناً أو صوتاً بها، فتقوم بتغيير اللغة إلى اللغة الإنجليزية التي تشعر أنها الأصلح لمثل هذه الأجهزة، وكأنها جاءت مع الجهاز، وتتساءل: هل العيب في المترجم، أم العيب في اللغة المستخدمة، أم بسبب بُعد اللغة العربية عن روح التقانة؟ والأمر سيان مع السيارة الجديدة الفارهة، حيث تجد القليل من يستعمل اللغة المستخدمة في أجهزتها العربية، لأنهم يرون أن الإنجليزية أسهل وأبسط، وبعضهم المريض يرى في لغته الأم بعض الدونية، غير مدرك أن إذلال اللغة يعني ذلَّ أهلها. ما الذي حدا بنا إلى أن نصل إلى هذه الوضعية والنتيجة؟ هل هو ضعف فينا؟ أم هو استعلاء اللغة نفسها، وعدم طواعيتها للغريب والمستحدث؟ أم ليست لدى العرب مؤسسات لغوية تستطيع أن تفرض مصطلحاتها وتجددها، وتجيز الترجمة إليها وتفرضها على المصنعين؟ اليوم باللغة العربية لا تستطيع أن تقرأ وصفة دواء قادم من سويسرا، لأنك لن تفهمه أو لن تدرك المصطلح العربي المستخدم، فمرض القوباء مثلاً، من أين لك أن تعرفه أنت الضعيف في العربية؟! فتلجأ إلى الإنجليزية أو الفرنسية أو الإسبانية كلغات ثانية مساعدة، لأن المصطلحات العربية الموجودة في «الكاتلوجات» أو داخل الأجهزة الإلكترونية أو السيارات الفارهة، لا وجود لها في شوارعنا العربية من الماء حتى الماء، فالقابس والمقبس، المصنعان من اللدائن، قليلون من يعرفون هذه المصطلحات، والمستشعر الضوئي ستضرب الودع لكي تدرك معرفته، وقد تستعين بالإنجليزية لأن مصطلحها شائع ومتداول، وحال السيارات مضحك، لأن أذنك فجأة ستسمع: «تمهل رويداً قبل الانعطافة جهة الشمال المقابل، وقبل الوصول للهوة عند ناصية الدرب الموعر» ستضحك، وكأنك تشاهد مسلسلاً تاريخياً في رمضان أو مسلسلاً تركياً مدبلجاً، وستضطر لأن تغير اللغة المستخدمة إلى اللغة الإنجليزية أم «تيرن رايت، تيرن لفت»!
المصدر: الاتحاد