كاتب إماراتي
يُعرف الرئيس ثيودور روزفلت، رئيس الولايات المتحدة الأسبق، بأنه الرئيس الأكثر قراءة في التاريخ، ويشاع بأنه كان يقرأ يومياً كتاباً قبل وجبة الإفطار، ويقرأ كتابين أو ثلاثة كتب أخرى في المساء، وتشير تقديرات المؤرخين إلى أنه قرأ عشرات الآلاف من الكتب على مدار حياته.
التواصل في الأفكار هو الأداة الأكثر أهمية التي يمكن أن تنشئ نتيجة فعل القراءة.
مفهوم القراءة كصنعة مستقلة يتجلى بوضوح مع روزفلت القارئ، وهو عكس الاعتقاد السائد بيننا بأن الثقافة تنحصر في الكتابة والإنتاج الفكري، ويذهب البعض إلى أن القراءة ترتبط مباشرة بالكتابة، والصحيح أن كليهما فعلان مستقلان يؤثر أحدهما في الآخر، وبذلك لا يشترط أن يختص القارئ في مطالعة ما يرتبط بتخصصه حصراً، وفي ذلك يقول بيتر فردناند دراكر – كاتب اقتصادي أميركي – لقد قرأت في كتب التاريخ والسير الذاتية والعلوم والروايات أكثر بكثير مما قرأت في الإدارة أو الاقتصاد.
خلال السنوات الماضيات ظهرت تجربة إماراتية جديدة، تمثلت في إنشاء صالونات ونوادي قراءة افتراضية، أخبرني مؤسسوها بأن الهدف الأول حينها هو مشاركة مستخدمي مواقع التوصل الاجتماعي قراءات نخبوية، وتلبية احتياجات القارئ العربي وإشباع رغباته، وتطورت الفكرة أكثر حينما فتح المجال للقراء في كتابة مراجعاتهم حول الكتب التي أنجزوا قراءتها معاً، وبعدها كان التفاعل مع آراء القرّاء ونشرها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وبذاك ترسخ مفهوم القارئ النجم، هي نجومية محورها الكِتاب، ولكنها هذه المرة نجومية قارئ لا نجومية كاتب.
التواصل في الأفكار هي الأداة الأكثر أهمية التي يمكن أن تنشأ نتيجة فعل القراءة، وهنا بالذات، تسهم نوادي القراءة الافتراضية في تعزيز التواصل العمودي بين مادة الكتاب المقروء، والأفقي بين القراء أنفسهم، ونتج بذلك القارئ النجم القادر على إنجاز فعل القراءة، الماهر في تحليل المادة المقروءة ونقدها، وكتابة تجربته القرائية، ثم التواصل مع عالم القراء، هؤلاء القراء النجوم صاروا الآن يتصدرون مواقع التواصل الاجتماعي، ولهم حضور لافت في المحافل الأدبية ومعارض الكتب، بل أصبح الكُتّاب النجوم والمبتدئون منهم يتوددون لهم، والناس يتحدثون عنهم ويتداولن آراءهم.
تتجلى أروع مظاهر النجومية القرائية في مشروع «تحدي القراءة العربي»، الذي يرعاه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، فحرص سموه الشخصي على تكريم القرّاء اليافعين أمام ملايين المتابعين العرب، هو صناعة فاخرة لنجوم جدد، وتقديمهم للمجتمع كقدوات، وبذلك تدحض الصورة النمطية للنجومية المحصورة في المطربين والممثلين ولاعبي الكرة.
في اعتقادي؛ إن النجومية التي منحتها القراءة للرئيس روزفلت هي سبب نجوميته كرئيس، ولو كانت هناك نوادي قراءة افتراضية، كما هي الحال الآن، لطغت نجومية روزفلت القرائية على نجوميته السياسية.
المصدر: الإمارات اليوم