سارق الرمانة

آراء

مجتمعياً يتم الحكم على استقامة الفرد باحتساب نسبة تدينه، ولأنها نسبة حسابية فالبسط يكون في عدد الشعائر التعبدية التي يواظب عليها الفرد، والمقام في الصورة الذهنية التي استقرت في عقولنا حول العابد الصالح، وقصص التراث التي تصح – أو لا تصح – تصور رجلاً يصلي من الفجر إلى العصر، وآخر صلى الفجر خمسين عاماً بوضوء العشاء، وإذا نظرنا بتعقل في هذه المسألة سنقر أولاً أن للإنسان كامل الحق في الانصراف نحو العبادة، ولكن لا يعد التعبد معياراً للحكم على استقامته، لأن إتيان الطاعة هو أمر شخصي يجتهد فيه المرء لزيادة رصيده الأخروي، تماماً كالتاجر في الدنيا، فضخامة رصيده في المصارف لا تمنحه ميزة على الفقير.

أستشهد على ذلك بحادثتين وقعتا خلال الأيام القليلة الماضية: الأولى كانت لمعتمر يسعى بين الصفا والمروة يصفع معتمراً آخر، هذا التصرف المقيت حدث في الشهر الفضيل وفي أطهر بقاع الأرض، الحادثة الثانية لخطيب يقول: أن يتاجر الإنسان بالمخدرات ويقتل ويزني ويغتصب الأطفال بشكل يومي ولكنه يصلي هو خير عند الله – عز وجل – من المفرّط في الصلاة الذي لا يقع في هذه الموبقات، وما زاد الطين بله؛ أن الخطيب كان يعظ باللغة الإنجليزية، وأعلم تماماً كيف يأتي مثل هذا الكلام مناقضاً للفكرة التي نعمل جميعاً على إيصالها عن الإسلام والمسلمين.

هذا الصنف من الأفكار والتصرفات المخزية مرجعه إلى الفهم السقيم لقوله تعالى: «إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ»، وما ورد عن الحبيب المصطفى: «أتبع السيئة الحسنة تمحُها»، ويتمادى فاعلها في الوقاحة ليقينه بأن عبادته تعطيه حصانة وامتيازاً على بقية البشر، وفي هذا يحكي الأصمعي أنه «رأى رجلاً يسرق رمانة من جارية، فتتبع الأصمعي السارق، فرآه يتصدق بالرمانة المسروقة على مسكين، تعجب الأصمعي فقال له: عجباً لك، سرقتها ظننتك جائعاً، أما أن تسرقها وتتصدق بها على مسكين فهذا أعجب! فقال الرجل: لا يا هذا، أنا أتاجر مع ربي، فقال الأصمعي مستنكراً: تتاجر مع ربك، كيف ذلك؟ فقال الرجل: سرقتها فكتبت علي سيئة واحدة، وتصدقت بها فكتبت لي عشر حسنات، فبقي لي عند ربي تسع حسنات».

الاستقامة بهذا المفهوم هي خدعة تفتن ضعاف العقول، وتلاعب من الطراز الرديء ينظر في العلاقة الظاهرة بين الإنسان وربه، ويتجاهل علاقة الإنسان بمحيطه، وخطورة هذا الموضوع تكمن في الانهيار التلقائي للأخلاق التي تضبط أولاً بالوازع الداخلي الذي يموت حينما يتوقف الإنسان عن تأنيب نفسه كلما اقترف فعلاً لا أخلاقياً بحجة وجود رصيد كافٍ من الحسنات، وثانياً في احتقار الغير بحجة التقصير في أداء العبادات، ونعتهم بالزندقة والفسق وما إلى ذلك من رديء الصفات التي لا تصف إلا قائلها.

ويجب هنا الوقوف بفخر واعتزاز عظيم عند إحدى المبادرات الريادية التي انتهجتها دولة الإمارات بتدريسها مادة التربية الأخلاقية وفرضها على جميع المراحل الدراسية، حيث يتناول منهجها محاور ترتكز على الشخصية الإماراتية والأخلاق والعلاقة مع المجتمع، ثم باب في التربية المدنية بأبعادها الوطنية، ستعطي هذه المادة بلا شك بعداً أكثر اتساعاً وشمولاً لمعنى الاستقامة، وسينشأ جيل منضبط في تصرفاته وأفعاله.

المصدر: الإمارات اليوم